الكبرى يتفقد الطلاب قبل نومهم، فلم يطق صبراً وخف إليه مسلماً عليه. فصادفني في الرواق وكان من أمرنا ما كان.
والأشبال في أحاديثهم أيها السادة قلما كانوا يتخطون المشاكل الدولية عامة، والمسألة المصرية خاصة. وكانوا يتنسمون أخبار الغزاة، ويستطلعون طلع الحركات والمقارنة بين الاستعدادات. وكثيراً ما كانت تقع بينهم مناظرات في أي الأعمال والمساعي أنجح؟ فترتفع أصواتهم، وتحتدم نار الجدل بينهم. وكان أقواهم حجة وأعنفهم لهجة، ذلك البطل المصري، يافعة السياسة (الدكتور أحمد فؤاد): فإن إقامته في الآستانة أكسبته مزايا في الجدل وسعة اطلاع على المناورات الدولية وتفقهاً في أسرار القضية المصرية.
وكنت إذا زرتهم خففوا من الخوض في السياسة وفاضوا في العلم واللغة والأدب وتاريخ العرب وتناشدوا شعر شوقي وحافظ، وتطارحوا النوادر ومستملح النكت على الطريقة المصرية التي مرن إخواننا المصريين عليها، ويقف غيرهم مبهوتاً حواليها. ولذا كنت إذا شاركتهم في الحديث فعلت بشيء من الحذر والتهيب منشداً بيني وبين نفسي:
أقول لمحرز لما التقينا ... تنكب لا يقطرك الزحام
وتذاكرنا يوماً فضلاء مصر وكبار أدبائها. فقلت لهم: إن من رجال مصر ثلاثة اشتركوا في الاسم، وسعة الفضل والعلم. وسميتهم لهم (ألأباره) وألأباره أيها السادة جمع إبراهيم. وأردت بهم الأساتذة إبراهيم اللقاني، وإبراهيم الهلباوي، وإبراهيم المويلحي، رحمهم الله.
فهب الأشبال للمجادلة فيهم، وإعمال الموازنة بينهم. فقلت ليس غرضي التحدث عن درجاتهم في الفضل وإنما الغرض التعجب من اتفاقهم في الاسم. وأن يكون لهم أوفر سهم في الأدب واللسن وصنوف العلم. فقال بحراوي بك: إذن لا تنسى يا أستاذ الأحامد الثلاثة وهم أصحاب السعادة: أحمد بك حسني، وأحمد بك تيمور، وأحمد بك زكي.
قلت: وأزيدك أنهم مع اشتراكهم في الاسم تراهم شركاء في حب الكتب واقتنائها والولوع بجمعها والبحث عنها هنا وهناك ولدى كل منهم مكتبة لا نظير لها. ولم يكد يرتد إلى صوتي حتى علا من زاوية المكان صوت استنكار لما قلت. وإذا هو فؤاد بك سليم ينكر على أن تكون مكتبات (الأحامد) أجمع لنفائس الكتب ونوادر المخطوطات من مكتبة والده. وإذا الإخوان يخبرونني بمكانة والده في المجتمع المصري وعلو كعبه في شرف المحتد