للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهو عبد اللطيف باشا سليم. وشهدوا بأن مكتبته لا تضاهيها مكتبة في مصر. فقلت: وهل يسمى الباشا بأحمد؟ قالوا لا، قلت لا داعي إذن للمعارضة إذ أن المقام مقام (أباره) و (أحامد) لا مقام إحصاء هواة الكتب. ولاحظت أن في فؤاد بك رحمه الله شيئاً من أرستقراطية وتمجيد بالنسب.

ثم رجعنا إلى التحدث في الأخبار العامّة. وكان كثيراً ما يتخلل كلامنا ذكر (القنال). وكنا نستعمل لفظ (القنال) أكثر مما نستعمل لفظ (الترعة). فصاح بنا (الدكتور أحمد فؤاد) معترضاً على من يقول القنال وقال إن القنال لفظ فرنسي ولفظ (الترعة) العربي أفضل منه وأكرم عند الله. فسألني الأخوان إذ ذاك عما إذا كان لفظ (قنال) عربياً أو فرنسياً؟

فقلت هو من جملة الألفاظ المولدة التي تبنتها اللغة العربية وينازعها فيها غيرها من اللغات: كالفارسية واليونانية والحبشية والسريانية وأخيراً التركية ثم الفرنسية.

أقول: وهذه الكلمات المتنازع فيها كثيرة يصح أن يؤلف فيها معجم صغير. واستحسن زميلنا العلامة رضا الشبيبي أن يسمى هذا المعجم باسم (الوغى في ميادين أللغى) وإني لذاكر لكم أيها السادة من هذه الكلمات المتنازع فيها ثلاثة أمثلة. وأبتدئ القول في كلمة (القنال) التي كانت السبب في إثارة هذا البحث (أي بحث تنازع اللغات في بعض الكلمات) فالقنال لفظ عربي وقد نازعت اللغة العربية فيه اللغة الفرنسية فهي (أي الفرنسية) تدعى أنه منها وإليها، وتزعم أن أصل القنال باللغة اللاتينية أما اللغة العربية فتقول إن القنال كلمة عربية مولدة منحوتة من كلمتي (قنا الماء) أو (قنا البحر) وربما كان الفرنسيون هم الذين جروا في فرنستها مجرى أميرال فإن لفظ (أمير) أضيف إليه اللام من كلمة (البحر) إذ أن الأصل أمير البحر. فلم يعجب قولي هذا (فؤاد بك سليم) فصاح من زاويته العاجية، وما تقول يا أستاذ في أخوات أميرال وهي المارشال والجنرال والكابورال؟ هل الفرنسيون نحتوها من العربية أيضاً؟ فقلت: إن لفظ (أمير) من أميرال عربي قطعاً بخلاف أخواتها فإنها فرنسيات بجميع حروفها. وأمير البحر اسم لكبير الربابنة في اصطلاح مؤرخي العرب، وقد استعمله الفرنسيون أولا بتمام لفظه أعني أمير البحر، ثم نحتوا منها كلمة (أميرال) لتكون على وزن كلماتهم (مارشال، جنرال، كابورال).

وهكذا الحال في (قنال) اصلها قنا البحر أو قنا الماء، وقنا جمع قناة بمعنى مجرى الماء،

<<  <  ج:
ص:  >  >>