فنحتوا من قنا الماء (قنال) اسماً لمجرى الماء الواسع المسمى بالعربية الفصحى ترعة.
ومثل هذا النحت في العربية الفصحى قولهم عقابيل المرض، وعقابيل الحمى اسم للبثور التي تظهر على المريض عقبى الحمى فنحت العرب منهما أي من عقبى الحمى (عقبل) ولكن اشتهر عقبل بلفظ جمعه أعني عقابيل.
ومن أمثلة هذا النحت في الألفاظ العربية المولدة ما جاء في لهجة السوريين وهو قولهم دحل الأرض بالمدحلة أي رصها وسواها. وأصله (أي أصل دحل) دحا الأرض يدحوها بالمدحاة، فنحتوا من دحا الأرض فعل (دحل) باللام المنحوتة من أل.
ومثله في هذا النحت اسم عائلة تجارية مشهورة في (بمباي) و (جدة) وهم زينل إخوان منحوت اسمهم من اسم جدهم (زين العابدين).
عندها كثر الجدال بين الأشبال في أي القولين أرجح: عجمية القنال أو عروبته؟
نتركهم في حوارهم ونعمد إلى مثال آخر من أمثلة التنازع الواقع بين العربية والفارسية. وهو كلمة (عنبر) اسماً لمخزن الغلة والقمح. وقد قال بعض الفضلاء إن عنبر فارسية الأصل محرفة من كلمة (أنبار) الفارسية بدليل أن الفرس القدماء سموا إحدى مدنهم في العراق (أنبار).
فقلت: ولكن المعاجم العربية وخاصة معجم البلدان لياقوت تذكر أن (أنبار) عربية وأنها جمع (نبر) بمعنى ألهري الذي يجمع على أهراء. وهي أي الأهراء مخازن الغلال كالأنبار.
وأزيد على ذلك أن جماعة من عرب تنوخ في عهد ملوك الفرس الأقدمين المشهورين بملوك الطوائف نزلوا مدينة (الأنبار) الفارسية العراقية وكان اسمها بالفارسية فيروزسابور فرأى فيها التنوخيون أكوام الغلال مرتفعة هنا وهناك فسموا مدينة (فيروزسابور) باسم (أنبار) لكثرة ما رأوا فيها من أنبار الغلال. وبقي الاسم عليها إلى اليوم. والنبر في اللغة العربية بمعنى الارتفاع ومنه المنبر ونبرات الصوت. ثم حرفت كلمة (أنبار) إلى عنبر بالعين المهملة.
ومثال النزاع بين العربية واللغة العبرانية كلمة (شعر) اسماً للكلام المقفى الموزون. لا جرم أنها عربية مشتقة من شعر بالشيء إذا علمه. وشعراء العرب هم علماؤهم. وذهب بعض