ومن يدري فقد تعرج على شكسبير: أم قد تصوفت وأخذتها الجلالة من هذا العالم الذي تضطرب فيه؟
وسمعت الغنية، وهي ثلاثون بيتاً ملفقة - على الطريقة التي تتبعها في ديوان شوقي - من رباعيات الخيام، أولها:
سمعت صوتاً هاتفاً في السحر ... نادى من المغيب غفاة البشر
والحق أنني أشفقت عليها، فقد تبين لي أنها تورطت في هذا الاختيار، فلم تجد للأغنية جواً تندمج فيه وتنقل السامع إليه، كما كانت مثلاً في أغنية (سهران لوحدي) التي كان غناؤها فيها كائناً حياً له روح. أما (غفاة البشر) فلم يطب لهم في السحر غي رنين الحنجرة الفضية الذي يطرب الأذن أو (يشنفها) ولا ينفذ إلى القلب، ولعل عدم الانسجام مع الأغنية جعلها تغفل عن ضبط كلمة (اليوم) في البيت الآتي:
غذ يظهر الغيب واليوم لي ... وكم خيب الظن في المقبل
فقد نطقتها منصوبة وهي مبتدأ، وسيتكرر الخطأ مع إذاعة الفلم المسجل، فيا له من خطأ أبلق، لأنه من أم كلثوم: وكذلك التلحين، لم يندمج في جو الأغنية، ولم ينسجم مع معنى لها بل كان أيضاً نغمات مختلفة تصل إلى الأذن ولا تعبر عن شيء ولا أرى قصور الغناء والتلحين عن غاية التعبير راجعاً إلى أم كلثوم والسنباطي، فهما هما؛ ولكن الرحلة كانت شاقة، ولم تعوض غايتها مشقتها، فليس هناك إلا (مسحراتي) يوقظ الناس في السحر ليملئوا الكأس وينهبوا اللذات. . وحتى هذه الصورة - إن كان لابد من مثلها - ليست من الواقع الحاضر، فأهل الكأس والهوى يسهرون الآن من أول الليل علناً ولا يحتاجون إلى التخفي والتداري بالسحر.
إن أم كلثوم هي كوكب الشرق. . ومن حق الشرق على كوكبه أن ينير له، ليرى على صفحته الدرية صور حياته وخلجات نفسه، فهل من ذلك أن نصحو في السحر ونسكر ثم نتوسل وننام. .؟ ألا تذكر أم كلثوم صدى صيحتها في هذا البيت:
وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
بيت واحد جاء على الجرح، فانبعث الحماس ودوى التصفيق حتى كاد يوقظ الغفاة حقاً. . فما بالها تغفل عن مثل ذلك؟ ألم تجد في مصر شعراء يقولون ما يعجب؟ إني أعلم أن