البغيض. . ماذا تصنع وقد وقعت في صراع شعوري عنيف بين دافع الهوى وقلب الأم.
قررت الرحيل مع ريمون. . ولكن كوليت. آه. . تذكرت أن أمها فرانسواز كانت تبعث إليها ضارعة أن ترسل إليها الصغيرة كوليت لبضعة أيام، فتأبى ثائرة على صديقتها (أليس) التي كانت تخاطبها في ذلك. لماذا لا ترسلها الآن. .؟ لا لبضعة أيام ولكن إلى ما شاء الله. وهذه الأم (فرانسواز) المسكينة! لقد كانت إذن على حق فيما فعلته. . وهي إذن جديرة بالرحمة والغفران! ولكن فرانسواز - عندما تجيء ملبية دعوة فابين - تصحح للفتاة موقفها وتبين حقيقة شعورها، قائلة لها: إنك تبرئين عملك يا فابين. . أنت تغفرين لنفسك لا لي، فابين! لا ترحلي، فقد تعذبت وندمت، لا أحب لك ما قاسيت: وتتبين فابين هول ما هي مقدمة عليه، وتتذكر ما عانته من حرمان الحنان، وأنها توشك أن تضع ابنتها في مثل ما كانت فيه، وهي عالمة به. . فتنفجر في قلبها الأمومة لتقضي على أمل العاشق المنتظر. .
وهكذا نرى المسرحية تعرض تلك المشكلة، وتكشف عن جذورها التي تتمثل في الزواج الذي لا ينبني على أساس من الألفة والمودة، وتعالج إعراضها علاجاً طبيعياً يرد كل شيء إلى أصله، وتعطي الدوافع الإنسانية حقها كاملاً، فالحب ليس شيء يهمل ولكن هناك معارضاً أقوى منه، وهو الأمومة التي تتغلب لا لإملاء قواعد أخلاقية غير مقتنع بها، وإنما لأنها دافع إنساني لا يقهر، وبذلك تجيء القيمة الخلقية طبيعية فتثبت، لا كالتي تجيء بالوعظ فتتبخر بعد تمصص الشفاه. .
والقضية قضية أنثوية، ولذلك أحسنت المؤلفة معالجتها، ولم تنس في خلال الحوار أن تبث خواطر المرأة كأن تقول في الحوار إن المرأة ترتطم بقوانين المجتمع الظالمة التي يضعها الرجل.
ولا شك أن نقل جو المسرحية ودقائقها يرجع الفضل فيه إلى المترجم والمخرج، وأجمل ملاحظاتي فيما يلي:
ظهر (ريمون) في حياة (فابين) قبل زواجها، وعرفت أنه يحبها ويعتزم خطبتها، ولم يطرأ ما يغير هذا العزم إلا ما قيل لها من أنه اختلف مع أهله ويعتزم الرحيل إلى مراكش، وليس ذلك مانعاً قاطعاً للأمل في خطبتها، ولكنها مع ذلك سارعت إلى زواج الرجل الذي تبغضه ولم يكن ثمة ما يدعوا إلى هذه السرعة فلا يزال باقياً على عودة أمها ثلاثة أشهر.