أثنائها، ثم الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا على تقسيم العراق وسوريا وكانت فلسطين يومئذ جزءاً منها يعرف باسم سوريا الجنوبية - إلى مناطق نفوذ واستعمار، وهذا الاتفاق هو الذي عرف فيما بعد باتفاق سايكس بيكو وأقر في مايو سنة ١٩١٦.
ويؤيد هذا أن مواطن الاتفاق الأربعة بين فرنسا وبريطانيا زاد منطقة خامسة هي الأردن، ولذلك لم يتجاوز الفرنسيون عند استيلائهم على سوريا خط العرض المتفق عليه بينهم وبين حليفتهم كما أدخلت بريطانيا فلسطين في وعد بلفور وأخرجت الأردن من حدود هذا الوعد الظالم.
أما حدود الدول العربية الفاصلة القائمة اليوم فقد فرضتها الدول المستعمرة أيضاً وعدلتها وفق رغباتها الاستعمارية ومن ذلك الموصل التي كانت في اتفاقية سايكس بيكو تابعة للنفوذ الفرنسي فطلبت بريطانيا من حليفتها فرنسا أن تتنازل لها عنه مقابل أن تطلق بريطانيا يدها في سوريا، فوافقت فرنسا على ذلك، وأصبح الموصل الآن جزءا من العراق وكان السبب في هذا اهتمام بريطانيا بالقطر العراقي.
فهل يعقل أن يعتبر السوري أو المصري أو العراقي حدود بلاده القائمة اليوم حدوداً للأمة العربية؟ بالطبع الجواب بالنفي، فالأمة العربية أمة واحدة لا تعترف بهذه الفواصل الجغرافية التي خلقها الاستعمار تنفيذاً لأغراضه السياسية. وقد يقول إخواننا المصريون هذا صحيح بالنسبة للدول العربية التي قسمت إلى مناطق نفوذ بين بريطانيا وفرنسا فماذا تقول في مصر وعروبتها وحدودها؟ والجواب أن حدود مصر الشمالية تنتهي بخط بين رفح وخليج العقبة، فمن الذي قرر هذا الحد لمصر؟ ويسترسل المحاضر في هذه الناحية فيقول:
لو رجعنا إلى عصر رأس الأسرة العلوية محمد علي باشا الكبير لوجدناه قد بسط سلطانه على سوريا مدة كبيرة ولم يتركها إلا مكرهاً، ولو لم ينسحب منها لظلت مصر وسوريا دولة واحدة منذ ١٢٠ سنة إلى اليوم. فإذا تركنا عهد محمد علي وعدنا إلى الوراء في عهد المماليك وجدنا أن سوريا والحجاز كانتا تحت حكمهم بالإضافة إلى مصر. ومعنى هذا أن مصر كانت وحدة مع سوريا والحجاز في عهد المماليك، وفي عهد الأيوبيين قبلهم كانت مصر وحدة مع البلاد العربية كما كانت كذلك في عهد الفاطميين.