ولم نجد مصر تنكمش في حدودها الحالية إلا في الآونة الأخيرة. فإذا أضفنا إلى وحدة مصر السياسية مع البلاد العربية تكلمها باللغة العربية، وتبوأها أسمى مكانة في الناحية الثقافية ظهر لنا جلياً أن مصر ليست عربية فقط، بل عريقة في العروبة. إن كل الشعوب التي تتكلم العربية هي شعوب عربية، وكل إنسان ينتمي إلى أحد هذه الشعوب عربي ينتمي إلى الشعب أو الشعوب المختلفة التي هي أجزاء من الأمة العربية الواحدة. وكانت آخر نقطة في المحاضرة الحركة القومية وعوامل تكوين الأمة فقال:
ظهر في أواسط القرن التاسع عشر نظريتان مختلفتان، نظرية ألمانية وأخرى فرنسية، تقول الأولى إن القومية كائن حي وليست مما يقرره الأشخاص، وهي قائمة على اللغة بوجه خاص، على حين تقول الثانية إن القومية مبنية على الإرادة. وعند تمحيص هاتين النظريتين نجد النظرية الأولى أقرب للصدق والواقع والمنطق، فألمانيا بنت وحدتها وتكوينها وقوميتها على وحدة اللغة ولما رأت فرنسا خطراً عليها من هذه النظرية جاءت بنظريتها. والواقع يؤيد نظرية الألمان ويهدم نظرية الفرنسيين لأن إرادة الأمة لا تأتي عفواً بل نتيجة عوامل متعددة، ولأن الإرادة ليس لها مقياس ثابت إذ يجوز أن تظهر وتختفي فلا يجوز اعتبارها أساساً للقومية. واعترافا بضعف النظرية الفرنسية وقالوا ليست كل إرادة أساساً للقومية بل الإرادة القومية الطويلة الأجل. وعلت نبرات الأستاذ إذ يقول: عندما تتكلم الأمة بلغة واحدة فإن أفرادها يتفاهمون ويتفقون ويتماسكون ويتجهون نحو الوحدة الشاملة وتشعر الأمة أنها واحدة فتريد، فالإرادة تأتي بعد تكوين الأمة لا قبلها. إن أساس تكوين الأمم يقوم على اللغة، وحياة الأمم تقوم على اللغة أيضاً، أما شعورها فيقوم على التاريخ، وإذا زال التاريخ وظلت اللغة أمكن أن تتكون الأمة ويبقى وعيها، أما إذا فقدت الأمة لغتها فقد فقدت حياتها واندمجت في الأمة التي تتكلم بلغتها. ولذلك أقرر أن كل الأمم التي تتكلم العربية أمم وشعوب عربية وعندما نستعرض قضايا التاريخ لا يبقى فينا من يقول أنا مصري أو عراقي أو فلسطيني بل عربي ولا شك أن الكل سيقول آخر الأمر العروبة فوق الجميع!