وشهد شاهد عند عمر ين الخطاب، فقال: اثنتي بمن يعرفك، فاتاه برجل، فإنني عليه خيراً، فقال له عمر: أنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا، كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: أظنك رأيته قائماً في المسجد يهمهم بالقرآن، يخفض رأسه تارة ويرفعه أخرى؟ قال: نعم. فقال: اذهب فلست تعرفه. وقال للرجل: اذهب فائتني بمن يعرفك.
هذا هو الإسلام في حقيقته، يحض على العمل، ويقدر القيم بالنتائج العملية، ويعرف أقدار الناس بأعمالهم وسلوكهم في المجتمع لا بمظاهر النسك والعبادة. وهو يقيس هذه الأقدار أيضاً بكفايات أصحابها وما يحسنون من أعمال. كتب أبو بكر إلى أبي عبيدة ما يلي:
(بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله بنأبيقحافة إلىأبيعبيده بن الجراح. سلام الله عليك، أما بعد فقد وليت خالاً قتال العدو في الشام، فلا تخالفه وأسمع له وأطع، فإني فقد وليته عليك وأنا أعلم أنك خير منه وأفضل دينا، ولكن ظننت أن له فطنة في الحرب ليست ذلك، أراد الله بنا وبك سبيل الرشاد).
وهكذا فرق أبو بكر بين الورع والتقوى وبين الكفاية الحربية، وهو في ذلك بصدر عن روح الإسلام العلمية، فهو مع إكباره لأبي عبيده وتقديره لديانته وتقواه، يسند العمل لمن يراه أهلاً له وأقدر على القيام به، وهذا يدل على أن رجال الحكومة في الإسلام لا يصطبغون بالصبغة الدينية المقدسة، فإن الإسلام يقضي بأن يتولى الأمر من يحسنه لا من هو أعلم وأتقى، ومن هنا تبطل دعوى من يصف الحكومات الإسلامية بأنها دينية لا تصلح للقيام بالأمور، لأنها تتسلح بالقداسة الدينية وتمتنع بها على النقد.
وذلك لأن الحكومة التي تسير على نهج الإسلام لا تتصف بالصفة الدينية على النحو الذي يصفونه، وإنما هي حكومة تستمد سلطتها من الأمة لا من حق إلهي، وتعمل بمرقبة من الأمة، وكلنا يعلم ما قاله عمر بن الخطاب، وهو واقف على المنبر: من رأي في اعوجاجاً فليقومه، ورد أحد المسلمين عليه بقوله، والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا.
أما التكافل الاجتماعي بين الناس فقد بلغ فيه الإسلام الغاية حتى أنه جعل الأمة الإسلامية كلها جسماً واحداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس