للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوقائية عناية تامة.

وتلتفت النظم الإسلامية إلى الأماكن الموصوفة في مصطلح وزارة الصحةالآنبأنها (مقلقة للراحة أو ضارة بالصحة) وتتصرف تلقاءها على نحو يشبهه ما تجري عليه اللوائح المتعارفة حالياً فلا يجوز مثلاً إقامة مخبز أو مطحن أو مدق في (الحيطان) التي كانت وقتئذ بمثابة مرافق صحية. ويمنع نصب المنوال لاستخراج الحرير من دود القز إذا تضرر الجيران بالدخان ورائحة الديدان. بل أن حق الجيران منع يتخذ داره حماماً إذا تأذوا من دخانه. ويمنع دقائق الذهب من دقة بعد العشاء إلى طلوع الفجر إذا تضرر الجيران من ذلك. ليس لأحد أن ينشئ بستاناً في أرض يتعدى ضررها إلى جدار الجيران، وكذا يمنع من يجعل دكانه طاحونة أو معصرة أو حماماً أو إسطبلا، وليس لأحد أن يقيم تنوراً في وسط تجار الأقمشة إذا كان يضرهم دخانه.

وقد كان المسلمون أول الأمر يكرهون المغالاة في البيان والإسراف فيه، ولكنهم بعد سايروا مقتضيات الزمن. كتب عمر بن الخطاب إلى عتبة بن مروان وأصحابه بالبصرة لنا بنوا باللبن: فقد كنت أكره لكم ذلك، فإذا ما فعلتم فعرضوا الحيطان وارفعوا السمك وقاربوا بين الخشب).

والاجتماع الإسلامي يعرف راشداً ما تحب مراعاته في أوضاع البلدان. فقول لبن خلدون: (ومما يراعي في ذلك للحماية على الآفات السماوية طيب الهواء للسلامة من الأمراض، فإن الهواء إذا كان راكداً خبيثاً للمياه الفاسدة أو منافع متعفنة أو مروج خبيثة أسرع إليها العفن من تجاوزها، فأسرع المرض للحيوان الكائن فيه لا محاولة. . والمدن التي لم يراع فيها طيب الهواء كثيرة الأمراض في الغالب) ويمضي لبن خلدون فيتحدث عن المرافق العامة التي يستلزمها نفع البلد ودفع الشقة عن أهله، فيشير إلى أهمية قرب الماء وطيب المرعى للساعة.

وعناية النظم الإسلامية باتساع الطرق عناية بالغة. بذكر الماوردي - وهو بسبيل تعداد مواضع ولاية القاضي - أن منها (النظر في مصارع عمله من الكف عن التعدي في الطرقات والأفنية وإخراج ما لا يستحق من الأجنحة والأبنية) ويذكر أن للقاضي أن ينفرد بالنظر فيها وإن لم يحضره خصم لأنها من حقوق الله تعالى التي يستوي وغير المستعدي،

<<  <  ج:
ص:  >  >>