وآية نضج ذوقي وتقدم حضاري أن من أوقاف المسلمين ما كان على تعدل الطرق، (ويأخذهم بهدم ما بنوة ولو كان المبنى مسجداً، لأن مرافق الطرق للسلوك لا للأبنية)
والفقه يحرص حرصاً المثالية على حق الجمهور في الانتفاع بالطرق العامة، فليس لأهل سكة أن يسدوا رأسها، ولا أن يبيعوها ولو كانوا أصحابها وأنفقوا عليها، ولا أن يقتسموها فيما بينهم، ذلك أن الطريق الأعظم - كما يقول أبو حنيفة - (إذا كثر فيه الناس كان لهم أن يدخلوا هذه السكة حتى يخف الزحام) وإخراج مصاطب الدكاكين إلى الجمهور عدوان على المارة يجب على المحتسب وإزالة والمنع من فعله. ولا يجوز لأحد أن بيني ظله تضر الطريق، (ومن خاصة من المسلمين قبل البناء فله أن يمنعه، وبعد البناء له أن يهدمه.
وتمضي الحسبة الإسلامية في النهوض بما تنهض بهالآنمصلحة التنظيم والمجالس البلدية، فالميازيب الظاهرة من الحيطان في زمن الشتاء يأمر المحتسب أصحابها (أن يجعلوا عوضها مسيلاً محفوراً في الحائط مكلساً يجري فيه ماء السطح؛ وكل من كان في داره مخرج للرسخ إلى الطريق فإنه يكلف سدة)
وعلى المحتسب أن يأمر الأسواق بكنسها وتنظيفها من الأوساخ والطين والمجتمع وغير ذلك مما يضر بالناس.
ومن قول الرسول: إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وهو - صلوات الله عليه - يقرر أن من قضى حاجته تحت شجرة مثمرة أو على طريق للسير أو على حافة النهر فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. والمسلمون بعده يتناهون عن توسيع الطرقات، فالسمر قندي مثلا يقول:(ولا ينبغي للعاقل أن يتمخط أو يبزق في ممر الناس كيلا يصيب أقدامهم).
لذلك، كانت نظافة الطرقات لافتة، وقد رأى ناصر خسروا شوارع طرابلس الشام وأسواقها من الجمال والنظافة بحيث ظن أن كل سوق قصر مزين. وفي صيدا رأى سوقا جميلة نظيفة ظن أنها زينب لمقدم السلطان أو بمناسبة بشرى سعيدة، ثم ما لبث أن عرف أنها عادة المدينة دائماً.
ومن اللفتات الفقهية الكبيرة الدلالة أن شغل البائع للطريق الضيق على نحو يتضرر منه