تتصل بالمنطقتين، فهي تتصل بالعالم الحسي عن طريق المعرفة والبرهان وبالعالم الروحي عن طريق الاختبار الشخصي والكشف.
ويرى أن السعادة الروحية لا تأتي من الإيمان الفلسفي بل بالعمل المؤدي إلى الاتصال بالروح الأعلى. ومن هنا تبين أن الغزالي حين يتناول الدين فإنه يحررها من أطمار الكلاميين ثم (يمزج حيوية الأول بحيوية الثاني ويولد منهما مذهباً روحياً يقبله العقل ولا يدحضه البرهان. . .).
وقد أعرض الغزالي من معرفة هذا العالم عن طريق العقل (ولكنه أدرك المسألة الدينية إدراكاً أعمق من إدراك فلاسفة عصره. . .) فقد كان هؤلاء الفلاسفة عقليين شأن أسلافهم اليونان فاعتبروا أن أمور الدين ثمرة لتصور الشارع ووهمه، بل هو ثمرة لهواء. واعتبروا الدين انقياداً أعمى أو ضرباً من المعرفة فيه حقائق أدنى من حقائق الفلسفة. وقد عارض الغزالي هذا الرأي واعتبر الدين ذوقاً باطنياً لا مجرد أحكام شرعية أو عقائد، بل هو شيء أكثر من ذلك، وأنه شيء تتذوقه الروح. ويعلق (دي بور) على هذا فيقول (. . . ولا يتاح لكل إنسان أن يبلغ في هذا الأمر مبلغ الغزالي، والذين لا يستطيعون متابعته إذ يعرج في مدراج السالكين متخطياً المعارف المكتبية كلها، لا محيص لهم عن الإقرار بأن محاولاته في الوصول إلى الله ليست أقل شأناً في تاريخ العقل الإنساني من مذاهب فلاسفة عصره، وإن بدت هذه المذاهب أدنى إلى اليقين، لأن أصحابها إنما ساروا في بلاد قد كشفها غيرهم من قبل. . .).
وجاء في كتاب نهاية الميزان ما يشير إلى أن الشك هو طريق اليقينلأنالشكوك هي الموجبة للحق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقى في العمى والضلال. ولم يفت الغزالي أن ينبه في مواطن عديدة من كتبه إلى أنه:(. . . يجب على المعلم أن يتجنب كل ما يثير الشك في نفوس الضعفاء، وخص المرشد على الاقتصار مع العامة على المتداول المألوف. . .) فهو يرى أن يستعمل الشك بمقدار محدود وهذا المنهج (. . . يبين أن الغزالي يحرص على وحدة الهيئة الاجتماعية، وينفر من كل ما يقربها من الانحلال. . .).
والمجال لا يتسع لعرض الآراء المختلفة التي أوردها الغزالي في كتبه في الأخلاق