للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(يا أيها الناس، أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).

وأسرع إلى موادعة يهود المدينة ليستل السخيمة من نفوس فلا يعكروا صفوا السلام، وعقد معهم معاهدة كتب في ختامها (وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فكان له الأمان ولليهود التأمين، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه.

ثم التفت إلى الجماعة ينظم أمرها، ويجمع شملها، ويؤلف وحدتها، فابتنى (المسجد) ليكون بمثابة دار السلام لطلاب السلام، وكان بناؤه نقطة التقاء الهجرة والنصرة، فسرعان ما أصلح النبي فيه العلاقات بين الأوس والخزرج، وعجلان ما أنزل فيه التأييد من السماء (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين).

ودوى صوت بلال بالأذان للصلاة فكان دعاية لانتصار الهجرة وإذاعة لانتشار التوحيد، ومتى جلجلت البطاح بصوت (الله أكبر) وتجاوزت بصوت (لا إله إلا الله) عرف كل من لا يعرف أن هذه الهجرة الكبرى إنما جاءت لتوحيد الصفوف، ووحدانية المعبود، ووحدة الكلمة، وتلك هي العناصر الأساسية التي لا بد من أن يتألف منها السلام.

وتتابع المهاجرون أرسلا، والمسجد يغص بهم يوما بعد يوم والمسلمون والمؤمنون أخوين سواه في الهجرة أو النصرة وإنه ليوم خالد إذ يجتمع بهم نبيهم في هذا المسجد المبارك، ويسأل عنهم، فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى انتظم شملهم، ثم قال لهم:

- (إني محدثكم فاحفظوه وعده وحدثوه به من يعدكم، أن الله تعالى اصطفى من خلقه خلقا، ثم تلا (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) وإنياصطفي منكم من أحب أن أصطفيه، وأؤاخي بينكم كما آخى الله تعالى بين الملائكة. . قم يا أبا بكر. .)، وقام أبو بكر فجثا يديه فقال له.

- (إن لك عندي يدا الله يجزيك بها، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذتك خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل، فأنت مني بمنزلة قميص من جسدي). وحرك النبي قميصه بيده. - (إذن يا عمر. .) فدنا، فقال له النبي:

<<  <  ج:
ص:  >  >>