للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شياطين الإنس ينهجون بهم مناهج ألغى قد ضربوا في الفلسفة حتى خرجوا منها أصفار الأكف خفاف العيان. وإذا سألت أحدهم ما خطبك أهذا وأهجر، وتشدق وتفيهق، لا تأخذه رهبة من الله، ولا يردعه حياء من نفسه، ليس بدعا من أعمال الناس أن يزرع الإنسان نفسه عن الطعام والشراب ساعات معدودات فكثيراً ما نضطر إلى شيء من ذلك؛ وإنما المشقة في أن نؤدي حقا لله أو نقضي به له واجباً.

(ضعف في الإيمان وتزعزع في العقيدة. ولو كان هناك يقينا صادقاً أو قلوبا مطمئنة لهان علينا لإذعان لله والقيام بحقوقه وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين. ليصم من شاء وليفطر من شاء فلسنا من أمرهم في شيء. ولكن أقبل أبها الشهر الكريم فستلقاك وجوه باشة وصدور رحبة، ولئن كنت موسم نسك لقوم فإنك موسم لهو لآخرين)

والشيء الذي لا ريب فيه أن الشاعر حينما نظم هذه القصائد وكتب هذه المقالات لم يكن متكلفا ولا متصنعا، وإنما كان يرسل الفول شعراً أو نثراً - عقيدة ثابتة في قرارة نفسه، ممتزجة بدمه ولحمه لذلك انتفعت في دراستي لتطوره الفكري بما نظم ونثر في ذلك الوقت.

ومن قوله في هذه القصيدة:

حسبكم في الآداب ما قاله فل ... تير أو ما أتى به فيكتور

نعم ما قال هذا ... ونعما قال العليم الخمير

فخذوا من كلبهما بنصيب ... وتوخوا هداهما تستنيروا

والظاهرة الغالبة على شاعرنا هي الدعوة إلى الجد وترك اللهو والخمول والكسل. وهو يدعو إلى العمل المتواصل المنتج على أن نقلل من الكلام ما أمكن. وكان ساخطا على المجتمع المصري لما فيه عيون كانت سببا في تخلف الأمة وتأخرها. ولكنه على سخطه وتبرمه لم يكن متشائما ولا يائسا. بل كان الأمل يحدو والرجاء في نهضة الأمة يملأ فؤاده. أنظر إليه حين يقول من القصيدة المتقدمة.

كثر المدعون في مصر حتى ... كاد يقضي على البلاد الغرور

حسبكم يا بني الكنانة عجبا ... كسل مخجل وفخر كثير

ليكن قولكم أقل من الفع ... ل فلن يبلغ العلاء فخور

<<  <  ج:
ص:  >  >>