إذا ما ألبوا جمعاً علينا ... كفانا حدهم رب رؤوف
ولم ينس المسلمون ما هددهم به المشركون من الإغارة عليهم والأخذ بالثأر، فهون شعراء من ذلك، بل أكدوا أن سيأتي يوم يغزون فيه مكة، ويستولون عليها، وقال كعب ابن مالك:
فلا تعجل أبا سفيان، وارقب ... جياد الخيل تطلع من كداء
أما موقف شعراء المشركين من تلك الغزوة، فيظهر أن قريشا توصلت على أن تخفى حزنها في صدرها، وألا تبوح بآلامها، روى أن قريشاً ناحت على قتلاهم، ثم قالوا: لا تفعلوا، فيبلغ محمداً وأصحابه، فيشمتوا بكم، فكف الشعراء عن البكاء، برغم ما كان يعتلج في صدورهم من الهم والأسى.
يروي أن الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة وعقيل والحارث؛ وكان يجب أن يبكي على بنيه، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له: أنظر، هل أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلي أبكي على ابن حكيمة (يعني زمعة)، فإن جوفي قد احترق، فلما رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته، فعند ذلك قال الأسود:
أتبكي أن يضل لها بعير ... ويمنعها البكاء من الهجود
فلا تبكي على بكر، ولكن ... على بدر تقاصرت الجدود
وبكي إن بكيت على عقيل ... وبكى حارثاً أسد الأسود
وبكيهم، ولا تسمى جميعاً ... فما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولولا يوم بدر لم يسودوا
ولكن لم يلبث الشعر أن انطلق من عقاله، ومضى الشعراء يتحدثون عما يجيش في صدورهم من الألم والغيظ معاً، فمضى بعض الشعراء يبكي في حزن ومرارة من لقي مصرعه في وادي بدر، ويعدد عظماء هؤلاء القتلى، ويصف ما نال مكة من الأسى لقتالهم، فهذا شداد بن أوس يقول:
تحيى بالسلامة أم بكر ... وهل لي بعد قومي من سلام
فماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشرب الكرام
وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزي تكلل بالسنام