وهذا أمية بن أبي الصلت يبكيهم، ويثنى عليهم، ويصف هم مكة بهم، فيقول:
ألا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولى الممادح
ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازية جحاجح
شمط وشبان بها ... ليل مغاوير وحاوح
ألا ترون كما أرى ... ولقد أبان لكل لامح
أن قد تغير بطن مكة، ... فهي موحشة الأباطح
ومضى بعض الشعراء مصابهم الخاص، أو يندبون بني قبيلهم، أو يرثون بعض عظامهم، ومن أمثلة ذلك رثاء الحارث بن هشام لأخيه أبي جهل، إذ يقول فيه:
ألا يا لقومي للصبابة والهجر ... وللحزن مني والحرارة في الصدر
وللدمع من عيني جواداً، كأنه ... فريد هوى من سلك ناظمه يجري
على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى ... رهين مقام للركية من بدر
ورثاء أمية بن أبي الصلت لصراعي بني أسد، وهو يمثل الحزن الدفين في صدورهم:
فبنو عمهم إذا حضر البأ ... س عليهم أكبادهم وجعة
ولم يبك أبا جهل أخوه الحارث فحسب، ولكن بكاه غيره من الشعراء، فقد كان رأساً من رؤوس قريش، فرثاء بعضهم بشعره كهذه القصيدة التي تنسب إلى ضرار بن الخطاب الفهري، والتي يقول فيها:
فآليت لا تنفك عيني بعبرة ... على هالك بعد الرئيس أبي الحكم
على هالك أشجى لؤي بن غالب ... أتته المنايا يوم بدر، فلم ترم
وأخذ بعضهم يتوعد، وينذر الأوس والخزرج بالانتقام والأخذ بالثأر، ويخفف من غلواء الأنصار فيما ملأ قلوبهم من الابتهاج بالنصر، ويدعو المكيين دعوة حارة إلى ألا يناموا على الضيم، وأن يجمعوا أمرهم على أن يأخذوا بثأرهم، وتسمع النزعة القلبية صارخة، والفخر بالنسب قويا، حين يوازنون بينهم وبين الأوس والخزرج، ويدعون إلى الدفاع عن معتقداتهم وألهتهم التي ورثوا عباداتهم عن آبائهم، وامتلأ بذلك كله شعر المشركين من أهل مكة، فترى الحارث بن هشام يقول:
فإن لا أمت يا عمر وأتركك ثائراً ... ولا أبق بقيا في إخاء ولا صهر