الناس. إنك حين تظلمني وتظلم سواي ولو بغير حق، فظلمك للجميع إن لم يكن في منطق الفكر عدلاً فهو عدل في منطق الشعور والوجدان! وفي مثل هذه اللحظات التي تروع بأسر القيد وتلوح بوخز الجراح، تكون المشاعر الإنسانية هي صاحبة الحكم الأول على رواسب الظلم في قرار النفوس. . أريد أن أقول لك إننا نحتكم في مثل هذه اللحظات إلى العقل أقل مما نحتكم إلى العاطفة، ولنا الكثير من العذر إذا نحن خضعنا لمنطق الشعور وسرنا حسب هواه، وفهمنا الظلم على أنه عدل مطلق ما دام مقترناً بالمساواة!
أتقبل الظلم على هذا الأساس راضياً عنه مطمئناً إليه، ما دمت أنظر إلى من حولي على أنهم أقران لي ونظراء. . كلنا في الضيم قلب إلى قلب، وكلنا في الظلم روح إلى روح. . أما أن تفرق بيننا في الحقوق فتعطى باليمين حين تسلب بالشمال، فهذه هي اللحظات الأخرى التي تنحدر فيها الضمائر وتنطمس المشاعر، وتنمحي من سفر الإنسانية أجمل ما فيه من سطور وأفضل ما فيه من كلمات!!
أقول هذا وأنا أقدم إليك هذه الرسالة التي أوقدت بين جنبي شعلة الأسى وألهبت بين يدي شباة القلم. . وتترنح الألفاظ على فمي وأنا أستعرض مرحلة أخرى من مراحل الكفاح، الكفاح المقدس في سبيل العلم. نعم، مرحلة أخرى. . فقد كانت المرحلة الأولى هي تلك التي حدثتك عنها على صفحات الرسالة: إنها محنة تتبعها محنة، وصرخة تعقبها صرخة، ومأساة تلحق بها مأساة. . ويارنة الأسف للعراق الشقيق ويا رحمة الله للشباب الشهيد!
بالأمس عاش (الناصري) غريباً في وطنه وغريباً في باريس، واليوم يستشعر (غائب) لدغ الغربة في القاهرة بعد أن لفحته بنارها في بغداد. . وذنب الأديب والشاعر أن كليهما آثر العلم وآمن به، وأحب العراق وأخلص له، وأراد أن يقبس من وهج المعرفة ليعكسها على وطنه فنوناً من الضياء. ولكن رياح الظلم قد أطفأت مصباح الأديب فبقي في الظلام، وطوت جناح الشاعر فكف عن التحليق. . وذلك هو حكم العراق العادل حين يتطلع المخلصون إلى عدالة الأوطان!
وبعد هذا تسمع من يقول لك إن الشباب قد كفروا بالقيم، وسخروا من المثل، وانحرفوا عن الطريق. . وماذا يفعل الشباب وهم يرون القيم الفاضلة تداس بالإقدام، والمثل العالية تمرغ في التراب، والطريق القويم والأشواك؟ ماذا يفعلون وقد عصفت الأهواء بكل ما بقي في