نفوسهم من أمن وبكل ما استقر بين جوانحهم من إيمان! هذا الشاعر المكافح يحال بينه وبين العلم لأنه ليس من أصحاب الثراء، وهذا الأديب المجاهد تغلق في وجهه الأبواب لأنه ليس من أقارب الوزراء. . ويصل الذين قد عمرت منهم الجيوب واقفرت العقول، وقضوا حياتهم وهم ضيوف على موائد الملق والجهل والنفاق!!
وأنا والله أكاد أكفر بالضمير الإنساني لولا بقية من أمل. . بقية أحتفظ بها للغد القريب أو الغد البعيد، الغد الذي قلت عنه من قبل أنه قد يرف الربيع إلى جفاف الغصون، ويطلق الأحرار من زوايا السجون، ويحمل خمرة السلوان إلى ندامى الشجن. . الغد الذي قد يأتي بقلوب غير القلوب، وعقول غير العقول، وقادرة غير الفادة، وعندئذ يجد الشباب المحيرون ذلك الظل الوريف الذي يحميهم من وقدة القيظ ولفح الهجير!
ماذا أقول لهذا الصديق الذي كنت أرقب خطواته في طريق العلم، وجهاده في ميدان الأدب، وصبره على تحبهم الأيام؟ ماذا أقول له وقد ترك الجامعة إلى المستشفى، وحرم رؤية الأستاذ ليشقي برؤية الطبيب، وهجر دنيا القلم ليصبح وهو طريح الفراش يا أخي صبرا. . صبرا ولو كان هناك إنصاف وإجحاف، ورعاية وإهمال، وإغداق وحرمان! حسبك أن النقمة تتحول في نفسك إلى معدن كريم هو الجهاد وحسبي أن أسمع منك هذه الكلمة وهي صادقة وهي درع الأمان لكل محارب يتلقى الضربات، وهي شاطئ النجاة لكل زورق يواجه العاصفة!!
عودة إلى مشكلة القراء:
تتبعت تعقيباتك عن أزمة القراء وأنها - والصدق يقال - لعين القين. إن قراء الكتاب في هذه الأيام فئة قابلة للنقصان لا للزيادة، ولن يمر عدد من السنين - مع بقاء الأحوال الأخرى ثابتة كما يقول الاقتصاديون - إلا ويصبحون في خبر كان. . وأما عن قراء المقالة المحترمة يا سيدي فنظرتي إليهم أيضاً سوداء، والفئة الوافرة العدد هم قراء المقالة التافهة التي تنشر مذكرات فلانة الممثلة بقلم الكاتب التافه فلان، وكأن مثل هذه السفاسف ومثل هذا المجون خليق بأن ينشر يقرأ!
إن ذلك الذي هجر تجارة عصير الأذهان إلى تجارة الفواكه لرجل بعيد النظر، لأنه لم يجد الجو بارقة أمل لاستصلاح القراء في مصر، وإلا فما رأيك أنني لم أر في كلية التجارة