إنني أصدقه، في أن الإخراج الواقعي أي محاولة تمثيل الواقع حرفياً أمر صعب، بل إذا قصد به إخراج الواقع في الحياة وما يلازمها تماماً كصورة طبق الأصل، أصبح الإخراج أدعى إلى ضجر الجمهور، لأن التمثيل والإخراج يحتاجان إلى الخروج عن قاعدة مجاراة الحقيقة التي يعيشها الإنسان في حياته العادية.
ولكن الأمر هنا يتعلق بمعرفة القدر اللازم إدخاله من المغالاة في التعبير والإشارة، ثم إلى حسن الاختيار. وهنا يبرز خيال المخرج ليلتقي مع صناعته وذوقه في صعيد واحد وهذا هو الفن، ولكن أتساءل هل هذا المذهب يبرر القول بأن استعمال الخط النسخ بدل الكوفي مسألة ثانوية، إذ ما ذنب الجمهور الذي يتلقى درساً خاطئاً في حقيقة تاريخية ثابتة كان يسهل جداً على المخرج تلافيها؟ وما أسهل ذلك عليه، بوضع الكتابة على الإعلام كوفية في رواية (ابن جلا) وبالنسخ في (شجرة الدر).
إن المجهود الذي بذله الأستاذ زكي طليمات بك في التمثيل رائع حقاً، وفي الإخراج عظيم. وقد شرح لي عزته المصاعب التي كانت أمامه، ولكني كرجل حريص على تاريخنا الإسلامي الذي ننحدر من أيامه وتتكون شخصيتنا من مواقفه وعظمته الخالدة، أقول إن الشخصية التي ظهر بها على المسرح ليست شخصية الحجاج، إنها أقرب ما تكون إلى تيمور لنك أو شخصية (أورسون ويلز) في روايته السينمائية لما فعل بورجيا أو القائد الأسيوي بايان في (الوردة السوداء).
الحجاج وهو سيف بني مروان يحتاج إلى دراسة أعمق من هذا لكي نظهره كما قال الأستاذ البارودي (أداة سياسية في المجتمع أو خادماً ساهراً على مصلحة الجماعة) أو لكي يظهر (بطلا تاريخياً تنمحي فرديته أمام عنصره السياسي التي عني إلى الجماعة بصفة عامة).
إن تقمص شخصية الحجاج تحتم أولاً تفهم عصر الحجاج، كما أن إبراز المعاني الكامنة والغامضة تستدعي تكشف الدوافع النفسية، وكل هذا يتطلب أن يعيش الإنسان في عصر الحجاج ولو فترة بين المراجع. كنت أنتظر أكثر من هذا ولكني لا أزال ا (مل وأنتظر من الصديق زكي طليمات بك ما هو أعظم وما يتفق مع (ما يعتمل ويحتدم) بين جنبين من آمال كبيرة ورغبة للوصول إلى آفاق بعيدة. . .