الفلسفة في الإسلام) أخذ أصحاب المنطق أو أصحاب ما بعد الطبيعة يتميزون في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) عن الفلاسفة الطبيعيين. والأولون يسلكون في أبحاثهم منهجاً أكثر دقة وصراحة من منهج المتكلمين (ومنهجهم يقوم على استنباط الأشياء من أصولها على طريقة برهانية دقيقة) وقد رغبوا عن مذهب فيثاغورس وانقادوا لأر سطو الذي وصلت إليهم فلسفته في ثوب من المذاهب الأفلاطوني الجديد. وهنا نجد أمام اتجاهين في العلم عني بكل منهما فريق، فالفلاسفة الطبيعيون عنوا - على تفاوت فيما بينهم - بدراسة ما في الطبيعة من ظواهر مادية كثيرة كما هو الحال في علم الجغرافيا وشأن الأمر الجزئي في نظرهم ثانوي وهو لا يزيد عن كونه مندرجا تحت كلي ويمكن استنباطه من هذا الكلي. وعلى حين أن الفلاسفة الطبيعيين يجعلون دراسة آثار الأشياء أساساً لأبحاثهم فإن أصحاب المنطق يحاولون إدراك الأشياء باستنباطها من أصول وهم في كل أبحاثهم يتلمسون ما هيأت الأشياء وحقائقها. وقد جاء أهل المنطق بعد الطبيعيين في الزمان كما أن متكلمي المعتزلة نظروا أولا في المخلوقات ثم نظروا في ذات الخالق بعد ذلك. وقد عرفنا أن الرازي الطبيب المشهور المتوفى عام ٣٢٠ كان أكبر ممثل للفلسفة الطبيعة التي يستعمل فيها المنهج المنطقي والتي مهد الكندي وغيره إليها السبيل فهي تبلغ أوجها ممثلة في رجل معاصر للرازي وأصغر منه سنا هو الفارابي
وقد كان الفارابي أبي رجلاً ممن يخلدون إلى السكينة والهدوء؛ وقد وقف حباته على التأمل الفلسفي يظله الملوك بسلطانهم؛ ثم ظهر في آخر الأمر في زي أهل التصوف ويقول إن والد الفارابي كان قائد جيش وأصله فارسي وإن الفارابي نفسه ولد في وسيج وهي قرية حصينة تقع ولاية قاراب من بلاد الترك فيما وراء النهر. هذا ما يقوله ذي بوير فهو يعتبر الفارابي ممن يمثل مباحث ما بعد الطبيعة في أوجها، وتجد قد اعتبر فيلسوفنا فارسيافي قومية لكن كارادفو في البحث الذي كتبه لدائرة المعارف الإسلامية عن الفارابي يقول: كان الفارابي أعظم فلاسفة الإسلام قبل ابن سينا. ولد في عائلة تركية في أواخر القرن السابع الميلادي في وسيج وهي مدينة صغيرة محصنة في مقاطعة فاراب. فترة يعتبره في الأتراك، وهذا ما حدا بحكومة الأناضول التركية أن تحتفل بعيده الألفي في جامعة استنبول في ٢٩ كانون الأول سنة ١٩٥٠.