لا نظير لهما، أحدهما المعروف بالسياسة المدنية، والثاني المعروف بالسيرة الفاضلة، كتبهما وفق مذهب أر سطا طاليس اليوناني. وقد عقد أستاذ في الجامعة الأمريكية ببيروت هو الدكتور أمين أسعد - مقارنة في كتابه (الطب العربي) بين الكندي والفارابي وابن سينا فقال ' ن أساس الفلسفة العربية مأخوذ من اليونانية بعد تعديله ليوافق تعاليم الإسلام وذوق الشرقيين وقد اعتبر العرب أن تعاليم أر سطا طاليس تمثل الفلسفة اليونانية والدين الإسلامي. وكانت طريقة الكندي في بحثه انتخابية غايتها التوفيق بين فلسفة أفلاطون وأر سطا طاليس من جهة وبين التعاليم الإسلامية من جهة أخرى أما الفارابي فقد جمع بين الفلسفة الأفلاطونية والأرسطو طاليسية والتعاليم الصوفية معاً وفي كتابه (السياسة المدنية) صور الفاضلة مقتدياً بجمهورية أفلاطون وسياسة أرسطا طاليس. وقد تأثراً بالغاً بفلسفة الفارابي ووضع قانوناً للفلسفة اليونانية كما وضع قانوناً للطب اليوناني وإهداء إلى العالم في قالب بسيط ومقبول. وتجد هذا الأستاذ يعتبر الفارابي متبعاً ومتأثراً بخطى أر سطا طاليس في كتابيهما (الجمهورية) و (السياسة) والحق أن الفارابي قد اتسع خياله فبنى مجتمعاً ودولة كما يريدها على وجه الأرض لا كما تريده البيعة، فإن الواقع كثيراً ما كان بجانب الدجال المراوغ على جهلة وكان ضد العاقل الحكيم. وعليه فإن أحلام الفارابي لن تتحقق في هذا العالم الدنيوي وإن بقيت شهوة لذيذة تصببو لتحقيقها نفوس الحكماء. وقد ذكره الأستاذ سلامة موسى في كتابه (أحلام الفلاسفة) واستعرض كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة إلى جنب جمهورية أفلاطون. ولا نجرأ أن نرمي الفارابي بتقليد أفلاطون فإنه من المبتكرين ولكنه حاكي الفيلسوف اليوناني القديم بطريقة التأليف.
وقد درج القدماء والمتأخرون على اعتبار ابن سينا تلميذاً للفارابي في حين أن هذا قد توفي عام ٣٣٩ هـ أما لبن سينا فقد مات علم ٤٢٨ هـ وكان عمره إذ ذاك (٥٨) سنة. وعليه فإن ولادته كانت حوالي سنة ٣٧٠ هـ أي أن ابن سينا ولد بعد وفاة الفارابي بواحد وثلاثين (٣١) عاماً فما معنى اعتباره تلميذاً للفارابي؟ الجواب أنهم اعتبره تلميذاً له لأنه فهم الفلسفة من كتب الفارابي، فهذا ابن خلكان يقول في وفيات الأعيان (إن الفارابي كان أكبر فلاسفة المسلمين ولم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه وأن الشيخ الرئيس لبن سينا بكتبه تخرج وبكلامه في تصنيفه انتفع)