وقد اعترف ابن سينا نفسه بفضل الفارابي عليه فقال في ترجمة حياته التي أملاها على أحد تلاميذه (الجوزجاني) لما سأله (حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي والرياضي ثم عدت إلى العلم الإلهي وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه والتبس على غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظاً وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا أعرف المقصود به وأيست في نفسي وقلت هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه وإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الوارقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه فعرضه على فرددته معتقد أن لا فائدة في هذا العلم، فقال لي أشتر مني هذا فإنه رخيص أبيعه بثلاثة دراهم وصاحبه محتاج إلى ثمنه. فاشتريته فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة فرجعت إلى بيتي وأسرعت في قراءته فانفتح على في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه صار لي على ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت ثاني يوم بشيء كثير على ظهر الفقراء شكراً لله تعالى)
ولكن بعض المؤلفين يسرف في تحدثه عن هذه العلاقة الفكرية بين الفارابي وابن يسنا فهل سمعت بالتهمة الشنعاء التي يفهم منها ضمنا أن ابن سينا سرق أتعاب الفارابي الفكرية وانتحلها وادعاها؟ قال حاجي خليفة في كشف الظنون (ج٣ص٩٨ - ٩٩ طبعة ليبتزك) نقلا عن كتاب حاشية المطالع (وقد نقل هذا أيضاً الأستاذ مصطفى عبد الرزاق في رسالته عن الفارابي (المعلم الثاني) - نقلا عن كتاب أيجد العلوم لحسن صديق خان عن حاسة المطالع) أن مترجمي المأمون أتوا بتراجم مخلوقة أحدهم ترجمة الآخر فبقيت تلك التراجم هكذا غير محررة بل أشرف أن عفت رسومها إلى زمن الحكيم الفارابي ثم إنه التمس منه ملك زمانه منصور بن نوح الساماني أن يجمع تلك التراجم ويجعل من بينها ترجمة ملخصة محررة مهذبة مطابقة لما عليه الحكمة فأجاب الفارابي وفعل كما أراد وسمى كتابه (التعليم الثاني)
فلذلك لقب (المعلم الثاني) ثم يذكر حاجي خليفة أن هذا الكتاب ظل مسوداً بخط الفارابي في خزانة المنصور (أضاف إلى هذه العبارة كتاب أبجد العلوم الفقرة التالية: - إلى زمان السلطان مسعود من أحفاد المنصور وكان غير مخرج إلى البياض إذ الفارابي ملتف إلى جميع تصانيفه، وكان غالب عليه السياحة على زي القلندرية. وكانت تلك الخزانة بأصفهان