والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. . .) لأن صحبة الأنبياء ورفقائهم هنا، ليست مرغوبة لذاتها، وإنما لأن هؤلاء مأواهم على درجات الجنة، فمن صحبهم كان معهم. والجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلإثارة هنا مادية لا روحية فيها. . .
والحق إن إثارة القرآن كلها من النوع الهادي، فقد نزل يخاطب قوما ماديين، ومن ثم فقد أصحب كل وعودة ومواعيد، الجنة بما فيها من خيرات، والنار بما فيها من عذاب، فهو يدعوهم إلى الخير لا لأنه فضيلة في ذاته، وينهاهم عن الشر لا لأنه رذيلة في ذاته، ولو فعل ذلك لما وجد سميعاً، وإنما يدعوهم إلى الخير لأنه يؤدي إلى الجنة، وينهاهم عن الشر لأنه يؤدي إلى النار، والقرآن حين يحدث مخاطبيه عن الجنة، لا يحدثهم عن أي جنة وكفى، وإنما يقول (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمرة لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، ولهم فيها من كل الثمرات. . .) ثم بعد ذلك (. . . ومغفرة من ربهم) فهل هناك إثارة مادية أبلغ من هذا؟ ولم يفت أستاذنا هذا الوضع، فراح يستثنيه مع أنه الأصل، ويؤوله ليستقيم مع حكمة الأول، من أن إثارات القرآن كلها وجدانية روحية خالصة.
والقرآن معجز، وإخفاق العرب عن الآنيان بشبيه له أو ضريب - وإن قل - حديث مستفاض، ولكن وراء هذه القضية أكثر من علامة استفهام، فإن الذين وما هم القرآن نفسه بلدهم وشدة خصومتهم، لم يحفظ لنا التاريخ من حججهم شيئاً، ماذا كان ردهم على القرآن؟. . ما هي أنماط المحاولات التي فشلت؟ على أي أسلوب جرت؟. . من هم الذين قاموا بها؟. التاريخ يصمت، ونحن نتابعه في صمته مسوقين، وأستاذنا يخطئ مذهب الصرفة (ص٤٩)(إنه لو عجز العرب عن المعارضة بالصرفة، لما استعظموا من بلاغة القرآن، وتعجبوا من فصاحته، كما أثر عن الوليد بن المغيرة حيث قال: (إن أعلاه لمورق، وإن أسفله لمغدق، وإن له لطلاوة، وإن عليه لحلاوة) وقصة الوليد هذه تصطدم بها في كل كتاب وكل بحث، وقد تجد لها شبيهاً في قصة إسلام عمر، ولكنك لن تجد للقصتين ثالثة، ترى هل كان الوليد بن المغيرة كل شيء في مكة حتى يؤخذ سوادها برأي ارتآه؟ قضية علمية كانت تستلزم أكثر من هذا المرور السريع!