أما تغري بردى فيكفي استعراض تاريخه واسمه للحكم على تركيته الصافية، ولا صلة له بالإغريق واليونان.
ويظهر من نتبع أحواله أنه كان على صلة وثيقة بالملك الظاهر برقوق، لأن المؤرخين ذكروا أن برقوق تروج الأميرة شيرين الطويلة الرومية، وهي ابنة عم تغري بردى، وقد ولدت له والده الذي أسماه (بلغق) ومعناه كما فهمت بالتركية (فتنة) ويظهر أنه ولد في إبان محنة ألمت بوالده فلما زالت اسماه (فرجاً) بالعربية وهو الذي تولى السلطنة بعده تحت اسم السلطان فرج.
وقد صاهر السلطان فرج ابن عم والدته أي الأمير تغري بردى على ابنته الكبرى، أما بناته الأخر فقد صاهره عليهن الأمير آقبغا التمرازي الذي جمع بين الأتاكية ونيابة السلطنة، وصاهره الأمير يشبك بن أزدمر الظاهري على إحدى بناته الصغار، والذي وصل إلينا عن زوجاته اثنتان.
الأولى ابنة الأمير تمر باي الحسني الذي تولى نيابة سيس ثم حجوبته الحجاب وتوفي ٧٩٢ والثانية ابنة الملك المنصور ناصر الدين أبي المعالي محمد بن حاجي الناصر محمد حاجي بن ناصر المنصور قلاوون.
فأنت ترى علاقات المصاهرة والقوابة والنسب بين الأتابكي تغري بردى وكبار البيوتات التي في عصره، لتحكم على منزلته العالية وأن مكانته في الصفوف الأمامية، ولا يمكن أن تسلم أتابكية العساكر الإسلامية لمن يكن في أرومته، والكلام عنه لا ينفي أن تذكر كلمة عن ابنة عمه الأميرة شيرين زوجة السلطان برقوق، وهي التي اشتهرت بجمالها وعنفتها وكانت الخوند الكبرى في عصرها ولذلك أسكنها السلطان قاعة العواميد بقلعة مصر، كما اتفق أصحاب السير على أنها سارت في حياتها سيرة محمودة مقترنة بالحشمة والرياسة والكرم مع التواضع الزائد والخير والتمسك بالدين، وهي ذكرى تعلمنا الكثيرة عن طيب عنصر أصلها وأصل الأمير تغري بردى والد صاحب النجوم الزاهرة.
ولا يشبع الباحث من سيرة هذه الأميرة الجليلة، بل أن الحديث عن مآثرها وأياديها على الفقراء وما قامت به من أعمال البر وتجديد الرباطات على طريق مكة وما وقفته من الأوقاف وما أصلحته من المباني، طويلا لا يتسع له المجال.