للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصحيفة من لندن، فتصحفها طويلا، ثم ألقاها إلى قائلا: اقرأ، فلما أتممت تلاوتها سألني رأيي فيها فقلت (برقية خطيرة جدا) فسألني: أنرى من المصلحة نشرها؟ قلت: لا. فألقى بها جانبا ولم تنشر، وعلمت فيما بعد أن نفقات هذه البرقية جاوزت مئة جنيه، وأنها لو نشرت لكان لها شأن أي شأن.

ومن هذه التقاليد ألا تستغني صحيفة من الصحف عن محور يعمل بها وإن أمسك عن العمل أياما فقد يكون له عذر، ولكن هذه التقاليد جميعاً صارت مع الحسرة والألم في خير كان!

واختير أنطون الجميل عضوا في المجمع اللغوي، فتهيب الاختيار بادئ الرأي، ثم لم يلبث أن خب في أعمال المجمع ووضع، وكان من أشد الأعضاء مواظبة ومن أشدهم جلداً على العمل وأكثرهم إنجازاً لما يطلب منه.

ولما عين عضواً لمجلس الشيوخ رأى فيه أعضاء (المجلس الأعلى) لونا جديداً من البرلمانيين، فهو رجل لا يسف ولا يهاتر ولا يعمد إلى المناورة أو المداورة ثم هو يحلط الأدب بالسياسة فيرتل الشعر في أثناء مناقشة الاستجوابات والبحث في الميزانيات، يدعو الوزراء إلى التشبه بأبي الدوانيق أو أبي جعفر المنصور!

بيد أن أنطون الجميل لم يطق البقاء في مجلس الشيوخ زمنا طويلا، فقد رأى أن عمله البرلماني يتعارض وعمله الصحفي، وإذ تضارب العملان وتناقضا، كان لا مناص له من ترك أحدهما، ولو كان جبرائيل تقلا باشا حيا وقتئذ لترك العمل الصحفي غير آسف، ولكن صاحبه مات وترك الأمانة في يده، فلا مندوحة له من الاستقالة من الشيوخ، وارتج المجلس الأعلى لاستقالة الرجل وأبي عليه قبولها وبذل عنده الشفاعات والوساطات، وذهب إليه رئيس الشيوخ يسعى كي يعدل عن استقالته ورجاء - مع هذا - أن يريح نفسه فلا يحضر كل جلسة ولكن الرجل العظيم أبي هذا قائلا: أما أن أؤدي العمل على وجهه وإما أن أدعه لغيري.

وأنعم عليه بالباشوية إثر استقالته من مجلس الشيوخ، قال خصومه أنه استقال لينعم عليه بالباشوية وأحدث هذا القول موجدة في نفسه، وأحسب أنه حدثني في ذلك فقلت له: لا عليك من كلام الناس. فلو لم يكن رجلا ذا شأن ما تحدث عنك أحد!

<<  <  ج:
ص:  >  >>