أ - المنحى الأول: هو اتخاذ الحروف اللاتينية، وقد آثرت أن أبدأ به تحية لأستاذنا صاحب المعالي (عبد العزيز فهمي باشا) متعه الله بالعافية. فقد نادى بهذا الحل في بيان لا أعده إلا وثيقة تاريخية من أنفس وثائقنا التي تعالج مشكلاتنا الثقافية. وقد تكفل معاليه، فيما أفاض فيه من بيان، بتجلية ما يرد على هذا الحل من مختلف الاعتراضات، وعقب عليها ما شاء أن يعقب بالرد والتفنيد، فلم يدع في هذا المنحى زيادة لمستزيد. ومجمل ما رأى معاليه أنه لجأ إلى المناداة باتخاذ الحروف اللاتينية بعد أن بحث عن طريقة لتيسير الكتابة العربية مع استبقاء حروفها الحالية، فلم يظفر بها، بل لقد تخيل أنه لن يظفر بتحقيق هذه الأمنية المحببة لنفسه ولأنفس أهله وأهل العربية. ولذلك لم يجد بداً من اختيار هذه الحروف اللاتينية التي شاعت في أكثر لغات العالم. فهي وسيلة تقريب بين الأمم، وهي مع ذلك قد مورست في الطباعة، واكتسبت مرانة في الاستخدام، وأثبتت قدرتها ويسرها في ضبط كتابة اللغات الأجنبية. وقد اتخذها معاليه أساساً لطريقته، ولكنه أدخل عليها من ضروب التعديل ما يناسب ضبط الكلام العربي على أدق وجه، بحيث تجعل كل حرف في الكلمة يدل بذاته على صورته الصوتية دلالة صادقة لا لبس فيها ولا انبهام.
ب - والمنحى الثاني هو اختراع حروف جديدة تحل محل حروفنا العربية، ذات علامات للضبط ملائمة لها. وقد تكاثر الواردون على هذا المنحى من الحلول، وتراحبت مراميه للفنانين يبتكرون ما يوحي إليهم التصور والتفكير، ويقربون أو يبعدون عن صور الحروف العربية القائمة. وربما كان في ألوان هذه الحروف المخترعة ما يتوافر له الجمال والاختصار، والسهولة واليسر وسائر المزايا التي لا تتوافر للحروف العربية أو اللاتينية جميعاً. فما على المخترعين من سبيل، وإن المجال أمامهم لطليق، يتيح لهم حرية الإنشاء، ولا يقيم حيالهم عقبة مما هو قائم عتيد. ولكن الأخذ بحروف مخترعة لا عهد بها لأحد، أمر يتطلب من رحابة الصدر، وشجاعة النفس، ومن الاستعداد لقبول الجديد الغريب أكثر مما يتطلب الأخذ بطريقة الحروف اللاتينية. لأن التبني للحروف المخترعة التي لم تثبت لها كفاية، ولم تعرف لها مرانة، أشق كلفة من اقتباس حروف متعارفة، ثبتت كفايتها في الأداء، وكفلت مرانتها في العمل.