الناحية الاقتصادية، وشعارها أن يكون المال في يد الجميع لينهض الجميع. نؤمن بهذا المبدأ وهي أبعد ما تكون عن وسائل الضغط وعوامل الإرهاب، وأبعد ما تكون عن تأليب فئة من الناس على فئة، عملاً بخطتها السلمية التي تأنف إثارة الأحقاد والضغائن بين الطبقات. . . فإذا كان (شو) قد جهر بتلك الكلمة المأثورة، وهي ألا نخلط بين بغضنا لغنى الجار وبين بغضنا للفاقة، فهو خضوع لمنطق نزعته الاشتراكية وخضوع في نفس الوقت لمنطق جمعيته الفابية، تلك التي انضم إليها عن عقيدة وإيمان!
لقد كانت الحركة العمالية البريطانية في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر، تلجأ في تحقيق مطالبها إلى كل وسيلة من وسائل العدوان، نعني أنها كانت حركة ثورية تبعد فيها الثورة عن أن تكون (مهذبة). وحين ظهرت الجمعية الفابية في أواخر النصف الثاني من ذلك القرن، كان لها أكبر الأثر في تهذيب تلك الحركة الثورية وطبعها بطابع التعقل والرصانة وتقدير الأمور. . ولسنا مغالين إذا قلنا عن تلك الجهود التي بذلتها الجمعية الفابية في ذلك المضمار، إنها قد انتقلت بالحركة العمالية من مرحلة القوى المبعثرة بفعل القلق والاضطراب، إلى مرحلة أخرى من الاتحاد والهدوء والاستقرار، نهض على دعائمها القوية حزب العمال وحكومة العمال. نقول هذا مختلفين مع الأستاذ العقاد حين يقول في كتابه الصغير القيم عن أثر الجمعية الفابية:(. فالواقع أن المجال كله مجال (نظريات وآمال) فيما تناولته الجماعة الفابية من المساعي والجهود، فإن آثارها في مجال العمل السياسي جد قليلة، ومعظم آثارها إنما كان تعليماً مقبولاً بين الناشئين والمثقفين ممن لا يملكون في مساعيهم وجهودهم قوة فعالة أكبر من قوة الإقناع في هذا المجال المحدود)!
وليس من شك في أن (شو) كان يحب جمع المال ويسعى إلى اقتنائه، حتى مات وهو صاحب أكبر دخل بين الكتاب في القرن العشرين. . وقد يعجب القراء حين يعلمون أن هذا الكاتب الإنساني صاحب تلك النزعة الاشتراكية، لم يعرف عنه أنه جاد بماله يوماً على فقير أو محتاج أو جمعية من الجمعيات الخيرية! لقد كان (شو) هو هذا الرجل الذي صورناه، ولكن العجب يزول ويجب أن يزول، حين نقول إن (شو) كان يؤمن وله كل الحق في هذا الإيمان، بأن مشكلة الفقر لا يمكن أن تحل عن طريق التبرع أو عن طريق الإحسان. . ولهذا أمسك يده إلا عن الجمعية الفابية!