أفسحت أمامه المجال لوضع نواة التمثيل في مخيلته، وكانت فرقة فرنسية أمت سوريا للتمثيل فيها فحلت من مدرسة (العذاري) في باب توما، فحضر القباني هذه الروايات وشهدها جميعها فأخذ فكرة عن التمثيل والمسرح. وفي عهد الوالي عبد اللطيف صبحي باشا ظهرت أولى مسرحياته فألف رواية (ناكر الجميل) ومثلها أمامه سنة ١٢٨٨ وكانت سوريا والبلاد العربية لا تعرف شيئاً عن التمثيل قبل هذا التاريخ.
٢ - أما كتبه ومؤلفاته المسرحية فإنها مذكورة في كتاب الموسيقي الشرقي لمؤلف المرحوم كامل الخلعي. ولقد أجهدت نفسي كثيراً لأحصل على نسخ منها فلم أظفر لأن ولده المرحوم خليل أودع مؤلفات واده عند شريك له في المحاماة من آل العجلاني، ولما توفي خليل المذكور أنكرها وأحتجزها لنفسه كما فعل شقيق الشاعر الزين رحمه الله بأشعار أخيه الفقيد. وعبثا حاولت الحصول على نسخ منها. ولما أعيتني الحيلة والأمانة للعلم والبحث قصدت نائب دمشق الأستاذ فخري بك البارودي وطلبت مساعدتي للحصول على تراثالقباني، فجال بمكتبته الفخمة جولة ثم عاد يحمل إلي روايتين مطبوعتين في القاهرة بقلم القباني نفسه قد أكلت حشاياهما الأرضة وعفى عليهما النسيان، إحداهما رواية، هارون الرشيد، والثانية رواية الأمير محمود نجل شاه العجم، فعثرت بعثوري عليهما على كنز أو معدن نادر. ولم أتبين تاريخ وضع رواية الرشيد لإهتراء مغلفها، أما السلطان محمود فلقد طبعت بالمطبعة العمومية بمصر سنة ١٣١٨ هـ.
فرأي في أسلوب الروايتين لا يخرج عن رأي أديب يرى في هذا الأسلوب المشجع أسلوباً لا يليق أن يتخذ قدوة في هذا العصر، فرواية الرشيد تدور حول مؤامرة القصر والست (زبيدة) وحادثتها مع قينة الرشيد (قوت القلوب) وموضوعها لا بأس به على الجملة. أما الرواية الثانية فليس لها مثل أسلوب الأولى وليس لها مغزاها. ولقد صدرت رواية الرشيد بعهد الخديوي عباس ودليلي على ذلك ما جاء فيها من قول مؤلفها:
دام في عصر مشيد ... غوثنا عبد الحميد
وبه نجم السعود ... قد تبدى في صعود
وبعباس المعالي ... بسمت بيض الليالي
ومن هذه الأرجوزة الجذلة تعرف مقدار فهم القباني ومقدار مواهبه الشعرية والنثرية. ولا