وقام محمد السبع بدور الجلف فأجاد، وأظهر ما في إجادته أنه كان يبرز الانتقالات المختلفة في الموقف الواحد بتعبير الإلقاء والحركة. ومثل احمد الجزيري (لوكا) الخادم العجوز فقام به على وجه لا بأس به.
ثم قدمت بعد ذلك مسرحية (مريض الوهم) فاستغرقت بقية الوقت ومريض الوهم هو السيد (ارجان) الذي يعتقد أنه مريض وأن (حياة له بغير الطب والأطباء، على حين يبدو في غاية الصحة والعافية. وهو لذلك يريد أن يعقد الأواصر بينه وبين الأطباء كي يولوه عنايتهم، ويصل به الأمر إلى أن يحاول التضحية بسعادة أبنته (انجليكا) إذ يريد أن يزوجها بالطبيب (توما) غير عابئ بحبها للشاب (كليانت) الذي أغرمت به وأغرم بها. وتظهر مع مريض الوهم الخادمة (توانيت) التي تعنى به، وهذه الخادمة تقف على دخائل هذه الأسرة وخاصة موقف السيدة (بلينا) من زوجها مريض الوهم الذي تخدعه بإظهار الحب له والعناية به وتتحايل على استلاب ماله والتخلص من ابنتيه إذ تشير عليه بإدخالهما الدير. وتعمل الخادمة (توانيت) على إصلاح هذه الأسرة فتحل مشاكل أفرادها بتدبيرها الموفق، فتظل تساير الرجل في ميوله وتسخر منه أحياناً. ويأتي غليه أخوه (بيرالدو) الذي يخالفه في الفقه بالأطباء، فينتقد مسلكه ويحمل على الأطباء ويؤكد له أنه في صحة جيدة، ومما يدل على أنه في غاية الصحة أن أدوية الأطباء لم تؤثر فيه ولم تقض عليه إلى الآن: وتعمل (توانيت) على ذلك أيضاً من ناحية أخرى وبأسلوبها الخاص من حيث الاحتيال وتدبير المفاجآت. وينتهي الأمر بأن يقتنع السيد أرجان أنه يستطيع هو أن يكون طبيباً. ولا يكلفه ذلك إلا أن يلبس المعطف والقبعة ويحفظ بعض الأسماء اللاتينية وينطقها كما ينطق بها هؤلاء الأطباء الذين لا يفضلونه ولا يزيدون عنه علماً.
تصور المسرحية - إلى جانب تحليل نفسية مريض الوهم - دجل الطب وشعوذة الأطباء في عصر موليير قبل التقدم العلمي في العصر الحديث. وقد قدم نماذج عجيبة من الأطباء وسخر بهم وأضحك منهم. ولا بد أن كان لهذه المسرحية في وقتها وقع عظيم لأنها تعالج ناحية كانت ظاهرة في ذلك العصر، ومع أن تلك الظاهرة غير موجودة الآن فإن البراعة في تصوير الشخصيات، وتكرر شخصية مريض الوهم في العصور المختلفة، وسياق المآسي الإنسانية في أغلفة الفكاهة - كل ذلك يكسبها جدة وقوة في كل وقت.