للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم

متى تبعثوها ذميمة ... وتضر إذا ضربتموها فتضرم

والشعر لزهير في معلقته. وولداه كعب وبجير قد لقيا المصطفى وآمنا به.

فهذا تحديد العصر الجاهلي وتلك ملمحه ومعالم حوادثه، يبتدئ بفقد حكومة البلاد وضياع أمنها واضطراب نظامها في سنة ٥٢٥ وينتهي بقيام الحكومة التي تقر السلام وتنشر الأمن في سنة ٦٢٢ وما بينهما عصر الجاهلية والفوضى والتناحر على السلطان ومنذ بدا لي هذا الرأي جعلت أختبره فيما أقرأ من أخبار فأرى حوادث الجاهلية تمضي في حدوده منسجمة منسقة متضامة يوضح بعضها بعضاً.

وأجد من الشواهد في تاريخ الأمم المجاورة ما يؤيده.

فالغساسنة كانوا يتخمون الروم في الشام قبيل الإسلام ولهم مع الدولة البيزنطية صلاة مدمنة نرى أنها مرت بحالتين: صلة الجار المجاور الذي يسالم ويحارب، وصلة التابع الذي يستمد ولايته الشرعية توليته غيره.

وللمستشرق العظيم نلدكه بحث تاريخ أمراء غسان كتبه وهو شاب لينال به الدكتوراه ثم رجع إليه بالتحقيق بعد النضج وبعدما ظهرت مستندات من تأليف المعاصرين من السجلات الرسمية في الكنائس وغيرها - وقرر أن أقدم اتصال للغساسنة ببيزنطة اتصال التابع المستعين كان في زمن الحارث الأكبر من سنة ٥٢٩ إلى سنة٥٦٩ إذ أنعموا عليه ثم على ولده من بعده بلقب بطرق وهو لقب حكام الأقاليم عندهم. وتفسير ذلك عندي أن الغساسنة وهم يمنيون كانوا يستمدون سلطانهم من دولتهم اليمنية ويجاورون الروم مجاورة الجار قد يسالم وقد يحارب؛ فلما زالت دولة اليمن وجاءهم الحرب من حيث كانوا يلتمسون العون اضطروا إلى الاستعانة بالروم واستمداد السلطان منهم. ونعلم أن العربي لا يقبل هذا إلا بعد القهر والقسر.

وفي بلاد تخوم العراق كان المناذرة ملوك الحيرة وكانلهم اتصال بملوك الفرس من آل ساسان.

ونقرأ من أخبارهم أن (يزدجرد) أرسل ولده (بهرام) ليتربى في بلاط المنذر بالحيرة.

وأن (يزدجرد) لما مات ثار الفرس رافضين أن يتولى أحد من أولاده لما كانوا يكرهون من

<<  <  ج:
ص:  >  >>