للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أومن، بأن الحياة الأدبية في مصر محتاجة إلى حركة تطهير يقوم بها لسان طويل! ذلك لأن الأدب هنا، في هذا البلد، أشبه برجل كريم النفس سمح الخلق مضياف، يفتح بابه لكل طارق، ويهيئ مائدته لكل عابر، ولو اندس بين جموع الطارقين والعابرين من هم خلاصة الأدعياء والمتطفلين! هذا الرجل، الذي هو الأدب، في حاجة إلى صديق طويل اللسان، ينهر تلك الجموع المتطفلة، الدخيلة، التي استغلت سماحة رب البيت ونبل محتده وكرم ضيافته، فاندفعت من أبوابه وجلست إلى موائده، في غير ما خجل ولا حياء. . . هذا الصديق الطويل اللسان هو كاتب هذه السطور، ولا ضير عليه أبداً إذا ما أنقذ الرجل الكريم المضياف من هؤلاء الضيوف الثقلاء، وألهب ظهورهم بالسياط!

ولتصدقني الأديبة الفاضلة أنني أضيق بأضواء الشموع، هذه الأضواء الضئيلة، الهزيلة، التي لا تستطيع أن ترد عادية الظلام. . وإذا كنت قد دأبت على إطفائها فلأنني أوثر أن أحدق في أضواء المصابيح الضخمة، المتوهجة، التي يغمر شعاعها كل حنية وكل ركن وكل تعريجة في منعطف الطريق. فلتبق هذه ولتذهب تلك، ما دمنا نريد للنور أن يقوى على مواجهة العواصف والأعاصير! هدم للقيم البالية المتداعية يعقبه بناء على ركام الأنقاض، وإخماد للأضواء الضئيلة الهزيلة يشع على أثره كل نور وهاج. . . أهذا هو ما ألام عليه وتوجه إلى من أجله فنون الاتهام؟ شيئاً من العدل يا سيدتي أو شيئاً من الإنصاف!

بعد هذا أقول للأديبة الفاضلة فيما يختص برأيي حول فتياتنا الجامعيات، إن هذا الرأي القديم لي قد أقمته على أسس من الدراسة النفسية والملاحظة النظرية طيلة أعوام أربعة قضيتها في الجامعة. فأنا إذن لا أنقل عن أفواه الناس وإنما أنقل عن رؤية العين حين تنتهي من جولتها في حدود الواقع المحس، وعن حكم العقل حين يفرغ من رحلته في نطاق الحاضر المشهود. . . وإذا كانت هي قد التحقت بالجامعة ابتغاء لهذا الغرض النبيل، وهو أن تتزود بسلاح العلم وتنهل من منابع المعرفة، فمن الصعب أن نستدل بالمثل الفرد على غيره من الأمثال، حين يكون هدفنا وضع قاعدة عامة لظاهرة من الظواهر أو لمشكلة من المشكلات. إننا لا ننظر إلى حكم الأقلية في مثل هذا المجال، ولكننا ننظر إلى حكم الكثرة الغالبة ليستقيم منطق التفسير والتبرير!

<<  <  ج:
ص:  >  >>