الاجتماعي، وتلك الميول هي ما يعبر عنها بالإيحاء والمحاكاة والمشاركة الوجدانية.
وأقرب مثل لذلك سرادق منصوب، فيه خطيب متحمس يخطب في جمهور من الناس مختلفين في الأفكار والنزعات والأهواء، ومع ذلك سرعان ما يتفق الجميع على رأي الخطيب عن طريق (الإيحاء) ويساير البعض رأي البعض الآخر في التصفيق والهتاف عن طريق (المحاكاة) ويتأثر الجميع بانفعالات الخطيب من غضب أو فرح أو حزن عن طريق (المشاركة الوجدانية) ولولا وجود هذا المجتمع ما كان لهذه المجتمع ما كان لهذه الميول أن تظهر في الفرد.
بهذا يسهل التقريب بين عناصر المجتمع، ويتم التكامل الذي به تختزل الصعاب أمام الإصلاح، ويتبلور الرأي العام، فيستطيع المشرعون أن يستمدوا منه القوانين الصالحة لأنها تطابق الآمال المشتركة والأهداف العامة.
وعلى ضوء هذا كله نتساءل: ما هي روافع المجتمع؟ أو بعبارة أخرى ما هي العوامل التي ترفع من شأن المجتمع حتى يكون الفرد والمجموع على وفاق تام بالنسبة للمثل العليا في مرافق الحياة الكريمة. فلا يضطرب الميزان الاجتماعي؟
أما المجتمع الأول فهو الذي يقوم (العلم) فيه مقام محور الارتكاز في الرافعة الأولى، وتكون (الأخلاق) بمثابة القوة، و (التاريخ القومي) بمثابة المقاومة. ولا شك أنه في مثل هذا المجتمع تتعادل مخلفات الماضي مع آمال المستقبل، كما تتعادل الكفتان في الميزان. ولا سبيل غلى ذلك إلا بالعلم الذي يبصر المواطنين بمآثر أسلافهم فيتخذون منها دعامة لصروح المجد الذي ينشدونه، ولا يدفع المجتمع بعيداً نحو أهدافه غير الأخلاق، فإذا كانت مهمة العلم تنوير العقل، فأن مهمة الأخلاق صقل الضمير ليبغي الخير وينشد الحق.
ولهذا يجب أن تكون (الكفالة الأخلاقية) واجباً عاماً يقوم به المسجد والكنيسة والجامعة والمدرسة والمنزل والشارع، والمسرح والسينما والصحافة والإذاعة، والمقهى والملهى، إذ الأخلاق في المجتمع قوة رافعة دافعة، مما يتحتم معه على هذه الدوائر أن تتولى أمرها جميعاً، فلا تختص بها هذه دون تلك، وللمجتمع وحده أن يحكم لأيها الفضل في تنقية الضمائر، وترقية الغرائز، وتعلية النوازع.
والمجتمع الرفيع هو الذي يدرك المعالي من أقرب طريق وأبسط جهد، ومن أجل هذا