أن تكون صريحاً وشجاعاً لا تهمك العواقب بقدر ما يهمك أن تعبر صادقاً عما في نفسك، وإن الزيات بمثل هذا الإشفاق سيجني عليك من حيث لا تدري ولا يريد، لأنه سيدفعك آخر الأمر إلى أن تتحرر من أسر الوظيفة، وحينئذ تستطيع أن تقول عن الوزراء ما تشاء. . . أليس كذلك؟ اسمع يا أستاذ: إن طه حسين الذي وهب قلمه قرباناً لحرية الفكر يعز عليه أن تصادر من أجله حرية الفكر! قل للزيات إنني عاتب وغاضب لأن طه حسين قد طبع على أن يحب للناس ما يحب لنفسه: يحب لهم الكرامة، ويحب لهم الشجاعة، ويحب لهم الحرية، وإنه ليسعده أن يهاجمه الناس بمثل هذه الأسلحة ما دام رائدهم الحق وقائدهم الضمير. . . أيظن صديقي الزيات أنك حين تهاجمني ثم يسمح بنشر هذا الهجوم على صفحات (الرسالة)، أيظن أن ذلك سيفيد ما بيني وبينه من أسباب الود وروابط الوفاء؟ كلا! إن شيئاً من هذا لا يمكن أن يكون. . . لأنني واثق كل الثقة من أنك لست كغيرك من الناس، أولئك الذين لا يرجعون إلى ضمائرهم فيما يكتبون! هذه كلمات أود أن تنقلها إلى الأستاذ الزيات، إذا ما كان هدفه الأول من وراء حذف كلمتك هو إرضاء طه حسين. . . أما إذا كان يشفق عليك حقاً لأنك موظف في الدولة أو موظف في وزارة المعارف بالذات، فإن وزير المعارف يأذن لك في أن تهاجمه كما تشاء وبأي أسلوب تحب! لن أقول لك لا تخف لأنني أعرف أنك لا تخاف، ولو كنت من الذين يخافون لما احترمتك. . . لن أقول لك هذا، وإنما الذي أريد أن أقوله هو أن طه حسين لا يضيق أبداً بحرية الرأي، سواء أكانت هذه الحرية موجهة إلى نقد أعماله كأديب أو نقد أعماله كوزير، لأنه يزد على كونه إنساناً يخطئ ويصيب)!
هذا هو طه حسين كما رأيته على حقيقته. . . جئت إليه ليحاسبني فإذا هو يحاسب نفسه!! أشهد لقد هزتني كلماته هزاً عنيفاً، وما تعودت أن يهزني شيء كما تهزني تلك الواقف النادرة، هنالك حيث تتجرد النفوس من أكثر أثوابها لا يبقى لها غير ثوب واحد. . . هو ثوب الإنسانية! لقد كان طه حسين في تلك اللحظة، يرسم على لوحة الشعور صورة فريدة لم يرسمها من قبله إنسان. ولا فنان! أهذا هو الرجل الذي صحبت الظنون حين تصورته، فظلمت نفسيي ظلمته؟ يا عجباً! لقد كان الرجل العظيم النبيل بريئاً مما تخيل أنه منسوب إليه، ومع ذلك فقد دفعه الضمير الحر اليقظ إلى أن يدفع عن نفسه كل شبهة، حين يكون