الأمر متعلقاً بحرية غيره من أصحاب الآراء والأقلام. . . وقلت له وأنا مأخوذ بنبله ومفتون بإنسانيته:
(أود أن أقول لك يا سيدي إنني عاجز عن شكرك، وأعتذر إليك من هذا الذي تبادر إلى ذهنك، لأن المقصود بذلك الهجوم كان وزيراً آخر غير طه حسين، وتلك حقيقة يعرفها الأستاذ الزيات)!
وعقب الرجل العظيم النبيل في تواضع جميل:(إذا كانت هذه هي الحقيقة فإني أكون قد أزعجتك. . ومرة أخرى أعبر لك عن أسفي)!
وقلت له وقد تكشف لي من أمره ما لم أكن أعرف:(يا سيدي عفواً. . وإذا كان إزعاجك لي معناه أنني سأعرفك على حقيقتك ثم أتحدث عن هذا الذي عرفت إلى الناس، فأرجو أن تزعجني كل يوم. . . وما دمت تؤمن بحرية الرأي لغيرك كما نؤمن بها لنفسك، فأود أن أفضى به إليك هنا ثم أتحدث به إلى الناس عامة هناك، أعني على صفحات (الرسالة). ولكني أخشى أن يعترض الزيات طريقي غداً كما اعترض طريقي بالأمس، لأن هذا الرجل من أحفظ الناس لود الأصدقاء وفي مقدمتهم طه حسين! ولا أقصد بالطبع أنه حال بيني وبينك في ذلك الموقف الذي حدث منذ قريب، ولكنه فعل ذلك في موقف آخر بالأمس البعيد، حتى لقد انقطعت عن (الرسالة) شهرين عدت بعدهما إلى الكتابة خضوعاً لرغبة الأصدقاء. . . وهل لي بأن أوجه إليك شيئاً من النقد في ناحية خاصة، كانت ولا تزال مثار ألم عميق، عند من يضعون ثقتهم فيك؟!
واعتدل الرجل العظيم النبيل، واقبل علي بوجهه السمح وخاطبني بصوته الحبيب:(قل ما تشاء يا أستاذ، وقل عني لقراء (الرسالة) ما تريد، وانقل إلى الزيات ما سبق أن أشرت إليه، أنني سأكون عاتباً غاضباً إذا اعترض طريق رأي من آرائك في طه حسين، وحال بينه وبين أن يبلغ منافذ الأسماع. . صدقني أن كثرة شواغلي لا تتيح لي أن أقرأ الكثير من الإنتاج الأدبي ولا أن أتابع الكثير من الكتاب، ومع ذلك فأنت واحد من هذه القلة التي أحرص على أن أقرأ لها في كل حين)!
وقلت وقد غلبني التأثر بعد الثناء المضمخ من سمو الخلق بأزكى عبير: (إذا كان هناك شيء أعتز به فهو كريم تقديرك. . وإذا كان هناك أمر أود أن أطالعك به فهو أن أقول لك: