لقد فعلت الكثير من أجل التعليم والمعلمين، ولكنك لم تفعل إلا القليل من أجل الأدب والأدباء)!
وارتسمت على وجهه مظاهر الاهتمام، وعبرت قسماته عن سؤال ينتظر الجواب ثم قال:(أما عن التعليم فأنت مغال فيما نسبته إلي من جهد في سبيله! ماذا فعلت من أجل التعليم؟ إنها خطوة قصيرة المدى محدودة الأثر أرجو أن تعقبها خطوات. . . وأما عن الأدب وأهله، فأود أن تقدم إلي بعض الأمثلة تأييداً لاتهامك! هل أننا مقصر حقاً في هذه الناحية؟ وماذا ينتظر مني الأدب وماذا يطلب الأدباء)؟
وأجبت وأنا من تواضعه الجم في حيرة تقترن الإعجاب:(لا يا سيدي! إذا كان التواضع سيفرض عليك أن تظلم نفسك وأن تنكر جهدك فأن التاريخ سينصفك بلا جدال، وأعتقد أن الرأي العام قد بلغ من النضج والوعي ما يهيئ له أن ينظر غلى أعمالك نظرة عادلة، مهما حاولت أنت تخفي وراء حجب شتى من التواضع وإنكار الذات. أما إذا كنت ترغب في أن أقدم إليك بعض الأمثلة على أنك لم ترع الأدب ولم تذكر حقوق الأدباء، فلا بأس من أن أتحدث هنا باختصار على أن يكون الحديث المفصل على صفحات الرسالة)!
وعندما قدمت إليه بعض الأمثلة هتف الرجل العظيم النبيل في نبرات صادقة:(إنني أوافقك. . وأكون شاكراً لو تناولت قلمك وكتبت في هذا الموضوع مهاجماً طه حسين، لأن مثل هذا الهجوم سيساعدني كثيراً في مجلس الوزراء، يوم أن أستشهد بما كتب في (الرسالة) على أن للرأي العام الفني مطالب يجب أن تنال! أما التاريخ الذي تقول أنه سينصفني في الغد القريب أو الغد البعيد، فصدقني إذا قلت لك إنني ما اتجهت غليه يوماً بتفكيري كلما قدمت غلى الناس عملاً من الأعمال. . . حسبي أن أتجه إلى نفسي وحدها وإلى ضميري وحده، حتى يستريح كل منهما وأستريح)!!
وقلت له بعد أن تطرق الحديث غلى موضوع آخر أمسك القلم مؤقتاً عن الإشارة إليه، قلت له بعد ذلك وقبل أن أودعه شاكراً له هذا اللقاء الذي لن أنساه:(هل تعلم يا سيدي أن ما حدث في هذا اللقاء كان بالنسبة إلي مفاجأة كاملة؟ لقد حضرت إليك وليس في ذهني غير خاطر واحد، هو أنك ستحاسبني على ذلك المقال الذي ظهر في تلك الصحيفة المعارضة، فإذا أنت تحدثني عن شيء آخر لم يخطر لي على بال، وأعني به مقال (الرسالة). . . لقد