إن العالم العربي قد أحلك يا مصر من نفسه محلا رفيعا ووضع ثقته فيك وفتح لك أذنيه وعينيه، فأتقي الله يا مصر فيمن ائتمنك ووثق بك في نفسه وعقله، ولا تصدري إليه من أدبك ومطبوعاتك ما يرزأه في إيمانه وأخلاقه وقوته المعنوية وروحه، كما لا ترضين ولا ترضى كرامتك ومروءتك أن تصدري إلى زبائنك من الدول والبلاد الحبوب المسمومة والفواكه الموبوءة ولا تقبلين أن يصدرها إليك أحد، وصدقيني يا مصر العزيزة أن هذه الروايات الخليعة والأدب الماجن أفسد وأضر للأمة والحياة من الحبوب المسمومة والفواكه الموبوءة. إنك زعيمة للعالم العربي فلا تغلبنك النزعة التجارية ولا تغرنك المنافع المؤقتة، فلا يكون زعيما ولا يكون عظيما من يؤثر العاجل على الآجل، والمنفعة الفردية على المنفعة الاجتماعية، والأثرة على الإيثار
إنك يا مصر من أغنى بلاد الله، ولست أعنى بالغنى خصب الأرض وكثرة الموارد، وإنك لغنية من غير شك، ولكني أعني غناك في المواد الخامة وهي الشعب الذي توفرت المواهبوالقوى، خصوصا ما يسكن منه في أريامك، فهي المناجم التي لا تزال مدفونه، والمعادن التي لم تستخرج بعد، هذا الشعب قوي الأيمان قوي الشخصية، قوي الجسم، فلو أنك أحسنت تعليمه وتربيته وأفدت من هذا الأيمان ووضعته في محله لكان حارسك الأمين القوي وثروتك العظيمة
قد أختار الله لك يا مصر من أوسع القارات وأكثرها مواد خامة هي القارة الأفريقية ولا يزال جزء كبير منها على سذاجته وفطرته، ولا تزال فيها أمم على الجاهلية والوثنية، وعلى الجهالة والضلالة، ولا تزال فيها أمم كاللوح الصافي يكتب الإنسان فيه ما يشاء، وهذه الأجزاء من القارة وهذه الأمم خير حقل لجهودك وتربيتك، وخير أرض لزراعتك وغرسك، فأرسلي إليها دعاتك المبشرين ورجالك المصلحين، وعلمائك المرشدين وأبنائك المعلمين، يبلغونهم الدين ويتلون عليهم آيات الله ويعلمونهم الكتاب والحكمة، وبذلك تنقذين بإذن الله نفوسا كثيرة من النار، وتخرجينها من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، وتكتسبين قلوبا نقية وأرواحا فتية وأجساما قوية، ويكون ذلك خيرا لك من هذه الأمم والدول الغربية التي تخطبين ودها وتحرصين على صداقتها، وهي لا تدوم على حال بل تجري وتدور مع أغراضها المادية ومصالحها السياسية، فيوما هي معك ويوما مع أعدائك،