فيها لنا تبر وفي حانها ... صحبةُ أبناء الكرام الجياد
كاللبن الخالص في حِله ... ما خرجت عنه سوى بالسواد
وقال آخر:
وقهوة لا غم تُبقي إذا ... قابلك الساقي بفنجانها
لا يوجد الغم بحاناتها ... قد خضع الغم لسلطانها
بمائل نغسل أكدارنا ... ونحرق الهم بنيرانها
يقول من أبصر كانونها ... أُفٍّ على الخمر وأدنانها
ولم تكد تستقر القهوة في الشرق العربي حتى تسربت إلى أوربا عن طريق القسطنطينية والبندقية في القرن السابع عشر الميلادي. وأنشئ أول مقهى في إنجلترا عام ١٦٥٢م، ولم تلق القهوة في الغرب ترحاباً خالصاً كله، فقد قامت في وجهها معارضة شديدة على نحو ما عانته في الشرق، ففي ألمانيا كان لا بد لتحميص البن من رخصة يعطيها الحاكم، وفي إنجلترا حاول شارل الثاني أن يحرِّم المقاهي باعتبارها مراكز للقلاقل الثورية والنزعات الحادة السياسية. ولكن القهوة شاعت برغم ذلك ولعبت في الحياة الاجتماعية الأوربية في القرن السابع عشر فالذي يليه دوراً ذا خطر كبير. ومن أوربا انتشرت القهوة في كل بلاد الله، وكانت اليمن مصدر البن الوحيد إلى مختتم القرن السابع عشر، فأصبح بعد ذلك يزرع في بقاع كثيرة من أفريقية الحارة، وفي الهند الغربية، وفي الهند الشرقية، ولا سيما في البرازيل فهي البلد الذي ينتج الآن نحواً من ثلثي محصول العالم، والبن له كالقطن لمصر، وربما كان أشد خطراً.
والبن بذور لثمر شجرة دائمة الاخضرار، قد تطول إلى ستة أمتار والسبعة في منابتها الطبيعية، ولكنها تقصر عن ذلك كثيراً إذا هي زرعت، ولهذا الشجر زهر أبيض ناصع يكتسي به عند ازدهاره، فيكون له رونق وجمال يزيد فيها ما ينفح منه من عطر وطيب، لذتان للعين والأنف لا يطولان، فعمر الزهر بالغ في القصر. إلا أن الشجر يزدهر مرتين وثلاثا وأكثر من ثلاث في العام الواحد. وتطيب الثمرة بعد ازدهارها ببضعة أشهر، فيحدث من ذلك أنك تجد على الشجرة الواحدة ثمرات من ازدهارات متلاحقة، بعضها وليد وبعضها بالغ. والثمرة خضراء وهي فجَّة، فإذا أخذت في النضوج اصفرَّت ثم تستحيل الى لون