ولم يقف جهد العلماء عند حد شرح الكتب الوافدة واختصارها بل ساهموا بإنتاجهم الخاص المستقل، فوضعوا كتبا كثيرة كان من أهمها كتاب القواعد الكبرى لعز الدين بن عبد السلام، قال عنه صاحب كشف الظنون: وليس لأحد مثله، وله القواعد الصغرى أيضا، وساهم ابن أبي عصرون في الإنتاج مساهمة كبرى فوضع مآخذ النظر، وكتاب الذريعة في معرفة الشريعة، وكتاب الانتصار لمذهب الشافعي وهو كبير في أربع مجلدات، وكتاب المرشد في مجلدين، وهو أحكام مجردة بلفظ وجيز كانت الفتوى عليه في مصر قبل وصول الرافعي الكبير إليها، وكتاب التنبيه في معرفة الأحكام، كما وضع مجلى بن جميع كتاب الذخائر، وعبد الله الفهري كتابه المجموع، وابن شداد كتابه الموجز، وابو شامة المقدسي أرجوزة في الفقه وكتابا سماه المذهب، وموسى القشيري كتابه المغنى
وعني رجال أبي حنيفة يومئذ بكتب أربعة وفدت إليهم هي الجامع الكبير والجامع الصغير لمؤلفهما محمد بن الحسن الشيباني ومختصر القدوري وكتاب الهداية، فشرحوا بعضها ونظموا البعض الآخر. ولم يقف جهدهم عند دراسة هذه الكتب وخدمتها ولكنهم أضافوا ثروة جديدة إلى ثروة الأقدمين؛ ذكر ابن خلكان أن المعظم عيسى أمر الفقهاء أن يجردوا له مذهب أبي حنيفة دون صاحبيه فجردوه له في عشر مجلدات، وسموه التذكرة المعظمية نسبة إليه، وكان لا يفارقه سفرا ولا حضرا ويديم مطالعته. ووضع كثير من العلماء كتبا، فرأينا الغزنوي يضع كتابا عرف بالمقدمة الغزنوية، والعامري يؤلف كتابه المبسوط في نحو ثلاثين مجلدا، ولعل أكبر ما وضعه علماء هذا العصر كتاب المحيط للسرخسي في أربعين مجلدا، وللعلماء حديث طويل في صحة نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه
وفي مذهب مالك كان كتاب المدونة لعبد الرحمن بن القاسم المالكي المتوفي سنة ١٩١ من أعظم ما عني به في عصر الحروب الصليبية، درسها العلماء وشرحوها وهذبوها، ومن أشهر من هذبها يومئذ البرادعي، وقد صار تهذيبه من أجل كتب المالكية فقام العلماء على شرحه حينا واختصاره حينا آخر
أما ما وضعه العلماء في فقه المالكية حينئذ فمن أهمه كتاب الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة؛ وقد عكفت عليه طائفة المالكية بمصر يدرسونه ويحفظونه. أما الكتاب الذي وضعه ابن الحاجب وعرف بالمختصر، فقد ظفر من العلماء بعناية خاصة وأصبح مرجعا لهم