وها هو ذا بلينفي في منزل الزوجية يعزف إحدى سمفونيات بيتهوفن، وفوستين زوجه في حال من خدر الحس وسكرة النفس - جالسة على حافة النافذة تصغي إلى النغم الحالم الصادر من البيان. . ويهتف بلينفي من أعماق نفسه قائلا:
- أتحبينني يا فوستين؟.
- نعم. . أحبك. . أحبك وما عيشي إلا لحبك. . إنني سعيدة إلى حد يخيل إلى أنني أحلم!
. . وفجأة يتوقف بلينفي عن العزف إذ تعود نوبة المرض وتهتف فوستين قائلة: -
- أرجوك. . . لا تكف عن الإيقاع. . . ما أعذب موسيقى بيتهوفن في سكينة الليل!
تتكرر نوبات المرض. . ويغدو قعيد عربة تجرها ممرضة بين دموع فوستين التي يشير عليها الأطباء بان ترد عنها أحزانها إشفاقا على صحتها، وأن تنطلق إلى الحياة وتعب من معينها الصافي لا من الكدر الذي يصوح جمالها ويذوي جسدها!
وينقضي شهران يجتر فيهما بلينفي الألم، ويبكي سعادته الغاربة إذ يتأمل حاله؛ ولكنه يذكر رجلا مقعدا يدعى (كونت دوجنربلاك) يبدو، أبدا ضاحك السن. مرح الفؤاد. . ولكنه سرعان ما يلمس الفارق بينه وبينه؛ أن الكونت رجل أعزب. . أما هو فقد دلف إلى حياة الحب وربط إلى عجلته. . فوستين!.
ويقع بلينفي فريسة الحلم يثبته هكذا في يومياته:
(وقع لي هذه الليلة كابوس مخيف كان مسرحه حديقتنا في (بوزيليب). . ورحت في الحلم أنتحب كطفل. لم تكن الأشجار إلا هياكل عظيمة شائهة تحكي فروعها الجرداء المشانق!
وكانت ثمة وردة وحيدة - لست أدري بأية معجزة تفادت الكارثة - كانت تخفق بلطف متلألئة. . نصف متفتحة كأنها شفتان تتأهبان لتلقي حلاوة القبلة الأولى!
. . وكان لها شذا فوستين!
وراح ضوءها ينتشر تدريجيا على بقعة الخراب. . مهددة من أثر هذا الحزن؛ وكلما شرعت أستروح عطرها السحري. . وهممت بأن أقتطفها واحملها بعيدا عن هذا اليباب. . شعرت بالوردة المعبودة تمد جذورها تشبثا بالأرض. إذ ذاك دلف إلى الحديقة فتى غض الإهاب، رشيق القوام، متين البنيان حلو السمات. . واجتاز الممشى وعيناه عالقتان بالزهرة، ويداه ممدودتان كما لو كانتا تسعيان إلى يدي حبيبة!. . وتفتحت الزهرة عن