ورأت أم سعد على عاتق أم عمارة جرحاً أجوف له غور يلفت النظر فقالت: من أصابك بهذا يا خالة؟ ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله أقبل يقول: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله، فضربني هذه الضربة، فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كانت عليه درعان.
فقالت أم سعد: سمعتهم يقولون أن رسول الله دعا أن تكونوا رفقاءه في الجنة؛ فقالت أم عمارة وقد انداحت لإشراقه على محياها: والله ما أبالي ما أصابني من الدنيا بعد ذلك!
وانقضت على النبي ثلاث سنوات بعد أحد؛ والأحداث شاهدة بانتصار الحق وانتشار الدعوة، واهتزت الجوانح شوقاً إلى بيت الله الحرام، وقد وقفت قريش تصد المؤمنين عن الحج؛ بينما يباح ذلك لأوباش الناس.
ونزل النبي تحت الشجرة بالوادي؛ وأخذ البيعة من المسلمين فكانت بيعة الرضوان، وفتح الله عليهم فتحاً مبيناً، وامتلأت القلوب إيماناً بدخول مكة. . وكان لا بد أن تشهد أم عمارة هذه البيعة لتظفر بأجر المجاهدة، وتحظى بشرف الرضى عند الله.
ولما لحق رسول الله بالرفيق الأعلى، وولى أمر المسلمين خليفته الأمين أبو الصديق، اندلعت ألسنة النفاق من جحور الفتنة، ونجمت قرون الردة من رؤوس المتنبئين، وما كان من خليفة محمد إلا أن يقاتل هؤلاء حتى يشهدوا ألا إله إلا الله فيعصموا بذلك دماءهم منه.
هنالك ابتلي المؤمنون، فكأنما بعث المعذبون في الله بعثا آخر، ولوا ما كان يلقاه خباب بن الأرت، وبلال بن رباح، وعمار بن ياسر، وزنيرة، وظن الكافرون أن الناس لا بد منطلقون من عقال محمد وقد مات، وحسبوا أن الدين الذي جاءهم إنما هو غاشية أصابتهم، فهم من بعد موته مفيقون، وانقلبت في رؤوسهم موازين التفكير، فراحوا يستبدون عليهم مدركين مجداً لأنفسهم، إن لم يكن كمجد محمد، فلا اقل من أن يمحو كل أثر حتى تعود للأصنام والأوثان مكانتها، ولأساطين الجاهلية سلطانهم.
وكان مسيلمة الكذاب من هؤلاء الذين سول لهم الشيطان أعمالهم، فأضلهم وأفسد بالهم، ولم يعد يرى إلا مسلكا واحداً هو (الطغيان) تمتد سياطه إلى المستضعفين، فينالهم من التعذيب ما يدفعهم إلى الخروج عن دين محمد، ويقهرهم على الشهادة بأن مسيلمة رسول الله، وأنه