السيد المطاع، وأنه الآمر الناهي، وأنه مالك الرقاب، وقابض الأرواح.
وأخذ مسيلمة حبيب بن زيد فيمن أخذ. وظل يفتله في الذروة والغارب ليفتنه عن دينه، فلم يظفر منه بما كان ينتظر، ولما لم تنفع وسائل الإغراء، عمد إلى الأغلال فصفده بها، والطعام والشراب فحرمه منهما، والحديد والنار فصبهما عليه، وجعل يقول:
- أتشهد أن محمد رسول الله؟
- نعم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم
- أتشهد أني رسول الله؟
- لا أسمع
ضاق مسيلمة ذرعا بهذا الفتى العنيد حبيب بن زيد، وأخذ يستعدي عليه زبانيته من الغلاظ الشداد، فلم تفلح لهم حيلة، وازداد الكذاب غيظا وحنقا، واستبدت به شهوة الجبروت، ونزوة الطغيان، ورأى بثاقب فكره أن قطع العقدة أيسر من حلها، وأن لا سبيل إلى الراحة إلا بإخماد هذا الضمير العربيد بين حناياه، ودارت الفكرة، ودار معها حتى طلع عليه الصباح، فاندفع كالثور الأسود، وفي عينيه شرار ولهيب، وعلى صفحة خده عروق توشك أن تجحظ بكل ما يعتمل به صدره ويغلي به مرجل حقده.
وتسلل من خلف حبيب، فاستمع إلى صوته المتهدج، وأنفاسه المترامية إلى أطراف الحياة لا تزال تردد في هبوط: الله أكبر. . . ولم يكتم مسيلمة نار الضغينة في نفسه، فاستل سكينا، وجعل يقطع فريسته عضوا عضوا، يقطع باليمين ويرمي بالشمال، والدماء تنبثق كالنوافير في عينيه، كأنها تدفق من قدر على النار، ومسيلمة كالجزار لا يبالي ما يصنع، والأشلاء في يسراه ترعش كأنما تصب عليه اللعنات، فلا يطيق صبرا عليها، فينحيها عنه بأقصى ما يستطيع من قوة، ولم يزل به حتى خفتت أنفاسه وهي تمتد إلى وادي الخلود.
واستراح مسيلمة منذ انقطعت كلمات حبيب بعد أن قال آخر ما قال: الله ربي. وما كان للطاغية أن يدع هذه الأشلاء، وتلك الدماء هكذا، فقد واتته فكرة طائرة اهتز لها اهتزازا عنيفا وهو في نشوة النصر المنحوس، تلك هي أن يشق صدر حبيب ويستخرج قلبه، ويرفعه بزق رمحه، ويحدجه بنظره في عين الشمس، ليعبث في هذا القلب الذي امتلكه محمد، ولينبش السر الذي كمن فيه الأيمان، وأخيرا لقول للشمس: