لقد قدمت هذه البلاد على ظهر باخرة إنكليزية ومررنا بطريقنا على مختلف البلدان. ولما وصلنا إلى جزيرة سومطرة نفذ منا الماء فنزلنا إلى الشاطئ لنتزود بحاجتنا منه. وكان الوقت ظهراً فجلسنا تحت ظل أشجار جوز الهند على مقربة من إحدى القرى. وكنا خليطا من مختلف الأجناس. . ولم نلبث قليلا حتى اقترب منا رجل أعمى علمناه فيما بعد أنه فقد بصره لكثرة ما كان ينظر إلى الشمس لمعرفة كنهها وكيفية انبثاق النور منها. فكانت نتيجة بحثه فقدان بصره وعقله في آن واحد. وجلس الأعمى إلى جوارنا وأخذ يحدث نفسه بصوت مرتفع - أن نور الشمس لا يمكن أن يكون سائلا وإلا كان من الممكن صبه من وعاء إلى آخر. وهو لا يمكن أن يكون نارا وإلا أطفئه الماء. ولا يمكن أن يكون الضوء روحاً لأنه يرى بالعين. كذلك فهو ليس مادة لأن مادة يمكن تحريكها. وما دام ضوء الشمس ليس سائلا ولا نارا ولا روحا ولا مادة أذن (لا شيء). وكان في رفقة الأعمى خادم، وكان منصرفا عن حديث سيده إلى عمل المصباح من جوزة الهند، ففتل فتيلا من قشرتها وعصر الزيت من اللب وصبه في القشرة وأدلى الفتيل فيها. وألتفت أليه الأعمى بعد قليل وقال - قل لي أيها العبد، ألم أكن محقا حين قلت لك أنه لا وجود للشمس؟ إلا ترى هذا الظلام يلف العالم بردائه؟ ومع ذلك فأن الناس يزعمون أن الشمس موجودة. . فإذا كانت موجودة فعلا فما هي وما كنهها؟ فرد عليه الخادم بقوله - أنا لا أعرف ما هي الشمس ولا يهمني أن أعرف، فليس هذا من شأني. ولكنني اعرف ما هو النور وها أنا قد صنعت مصباحا أستطيع على ضوئه أن أقضي لك حاجاتك عندما يحل الظلام. قال هذا ثم رفع المصباح بيده وقال - هذه هي شمسي. وكان إلى جوارنا رجل أعرج فلما سمع ما دار بين الأعمى وخادمه أنفجر ضاحكا وقال مخاطبا الضرير: يبدو لي أنك ولدت أعمى وإلا عرفت ما هي الشمس. أن الشمس يا صاحبي كرة من النار ترتفع كل صباح من البحر ثم تعود فتتوارى بين جبال جزيرتنا كل مساء. أن كل سكان الجزيرة يعرفون ذلك ولو كنت مبصرا لأمكنك التحقق بنفسك من صدق الخبر
وما انتهى الأعرج من كلامه حتى انبرى صياد سمك قائلا - يظهر لي أنك لم تغادر جزيرتك هذه قط. فلو أنك لم تكن أعرج وطفت البحار مثلي في قارب للصيد لعرفت أن الشمس لا تغرب بين جبال جزيرتنا أبدا، ولأدركت أنها كما تشرق من البحر كل صباح