للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعلى ضوء علم النفس الاجتماعي فإن للطقوس الدينية كذلك ناحية إيجابية أخرى. فقد كتب أحد فلاسفة الكنيسة الكاثوليكية في معرض دفاعه عن التقاليد التي احتفظت بها الكنيسة الكاثوليكية منذ نشوئها وانتقاد البروتستانتية الحديثة لهذه التقاليد فقال:

(إن المسيحي بمفرده ليس مسيحيا فقط، وهو يعني بذلك أن اقتصار الاختبار الديني على الفرد دون الجماعة لا يفي بالنتائج الاجتماعية التي ينطوي عليها الاختبار الديني والتي هي من الوظائف الأساسية للدين).

فصلاة الجماعة فضلا عن وظيفتها الاجتماعية من حيث أنها تجمع المؤمنين على الفضيلة في صعيد واحد فإن لها وظيفة نفسانية (سيكولوجية) كبيرة النفع.

فإن التعبير المشترك بين الجماعة عن المشاعر الروحية إثبات لحقيقة هذا الشعور. فالمرء إذا خلا لنفسه يحاسبها ويستعرض أمامها مشاكله الروحية والاجتماعية فقد يميل إلى القنوط ويبالغ في عجزه أو مقدرته على مواجهة هذه المشاكل. والمرء مهما ارتقت مداركه واحساساته واطلاعه على نواحي الخير والشر في السلوك الإنساني عاجز عن التعرف على حقيقة مكانه في الكون؛ فمشاكل الكون النفسانية والمادية والاجتماعية معقدة وعرة المسالك. فإذا تسنى للمرء أن يندمج في جماعة من الناس تشعر بما يشعر وتبحث عما يبحث من الطمأنينة والرضى فهو لا شك مرتاح ومستكين. والحياة اليومية أقسى من أن توفر للفرد جوا يستطيع أن يخلد فيه إلى الطمأنينة والرضى. والمساجد وبيوت الله والهدوء والسكينة التي تحيط بها توفر له ولإخوانه المؤمنين ذلك الجو المنشود يستوحي القدرة منه على التأمل ويستمد الشجاعة الأدبية ويحاسب نفسه على الصالح والطالح. فصوت الله جل جلاله يستدعي الخشوع والانطلاق من قيود النفس والمادة.

فإذا استطاع المريض أن يتلمس في خجل واستحياء نوعا من الطمأنينة في عيادة الطبيب النفساني يستلهمه علاج النفس من آلامها فإن بيوت الله أرحب صدرا وأكثر مهابة. ففي كل فقرة من آيات الذكر عظة وفي كل آية حكمة وبلاغة يتراجع أمامها خجلا واستحياء علم الطبيب النفساني. وبعد فإن علم النفس لا يعالج إلا النفس القلقة المضطربة التي تعتقد أن العقيدة الراسخة فيها أصبحت فريدة العقد النفسانية والأزمات الروحية.

والمرء حين يجد في بيوت الله من يشاركه هذا الالتماس ويرجو مثل الطمأنينة التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>