يرجوها يزداد ثقة وينطلق في محاسبة النفس والتماس العلاج.
والبروتستانتية المعاصرة مثلا تفخر بأنها تجاري التطور في الحرية الفردية، وأن هذه الحرية يجب أن تشمل الدين كما شملت السياسة والاقتصاد ولذلك أطلقت العنان للمؤمنين فانتهجت كل جماعة وسيلة جديدة من وسائل الاختبار الديني.
وإذا جاز للمطلعين على حاضر البروتستانتية أن يكبروا مساهمتها في إطلاق قيود الفكر المسيحي من جمود القرون الوسطى فإن لنا أن نسجل هنا أن هذه المساهمة قد أولت في كثر من الحالات قلقاً فكريا وروحا عاطفيا انتهج في الآونة الأخيرة نهجين: - نهجا وجد في القانون المدني وآدابه ومثله العليا استعاضة عن الدين فلم يشف غليله، وإنما أشكل عليه الأمر كما تشهد بذلك المشاكل النفسانية العميقة التي تعيش في الشعوب البروتستانتية. والنهج الثاني عكوف عن هذا الانطلاق المتطرف وتحديده بقيود أسسها إحياء الاختبار الديني على أساس السلوك الجماعي لا الفردي.
فالكنائس البروتستانتية في أمريكا وبريطانيا - وقد تأثرت بالحرية الفردية إلى أقصى حد - أخذت في الآونة الأخيرة تعلن عن بضاعتها في شتى أنواع الإغراء. فهي تنظم الحفلات الاجتماعية في المواسم الدينية وأيام الآحاد وتستهوي الناس للمشاركة فيها بتنويع البضاعة. وهي بضاعة في جوهرها روحية فاضلة ولكنها مشوبة ببعض ما يتنافى ومهابة الدين.
ولقد فطن الإنسان لهذه الناحية النفسانية في صلاة الجماعة، ومع أنه أبقى على الحرية الفردية في العبادات إبقاء شاملا إلا انه شرع صلاة الجمعة والأعياد وصاغها في قالب بسيط خلا من المؤثرات وأبقى على المهابة والجلال التي تليق بالدين ومعاقله؛ وما ذلك إلا لأن الإسلام - وهو عقيدة إلهية راسخة - يعتمد على الإقناع أكثر من اعتماده على الترغيب والاستمالة. والمرء إذا اقتنع كبرت لديه الغاية وهانت الوسيلة.
ومهما يكن من الأمر فإن العبادات (كما قال ماكموري) ليست مجرد وسيلة من وسائل الاختبار الديني فحسب بل هي فوق ذلك دافع من أهم الدوافع لاستمراره. فهي إذن بالرغم من تحامل بعض الدنيويين على غرابة طقوسها جزء جوهري من وظيفة الدين.
وعالج السيد محمد رشيد رضا في كتابه (الوحي المحمدي) عبادة الفرد والجماعة في فصل من ذلك الكتاب تحت عنوان (التقوى الخاصة والعامة) وعاقبتهما فقال: -