كلف أخي الأصغر بكتابة موضوع إنشائي يصف فيه حياة الفلاحين فافتتحه بقوله (يعيشون الفلاحون) وهذه عبارة صحيحة فصيحة على ما سأبينه بعد - ولكن مدرس الإنشاء أبى إلا أن يعدها من الأغاليط. ولعل الذي دفعه إلى هذا ما توهمه - ويتوهمه كثير من الناس - من خطأ مثل هذا التركيب
وقبل أن أتكلم في الموضوع أحب أن أوجه نظر القارئ إلى أن لغة (أكلوني البراغيث) هذه لغة جماعة من العرب بأعيانهم - يقال: هم طييء، ويقال: هم أزدشنوءة - وهذه الجماعة تجيز أن يؤتى في الفعل إذا أسند إلى اسم ظاهر - مثنى أو مجموع - بعلامة تدل على التثنية أو الجمع فتقول (قاما الرجلان) و (قاموا الرجال) و (قمن النسوة) فتكون الألف والواو والنون حروفا دالة على التثنية والجمع كما تدل التاء في (قامت سعاد) على التأنيث
وللنحويين في هذه اللغة رأيان: رأي يقول بصحتها وفصاحتها ويبيح استعمالها، ورأي يقول وضعفها وينكر استعمالها. والسبب في ضعفها عند من رأي ذلك هو الإتيان بعلامات التثنية والجمع بدون حاجة إليها
وقد نص على صحتها العالم الجليل (الألوسي) في تفسيره (روح المعاني) عند شرح قوله تعالى (وأسروا النجوى الذين ظلموا) فقال ما نصه:
(قال أبو عبيده والأخفش وغيرهما هو - أي لفظ الذين - فاعل أسروا والواو حرف دال على الجمعية كواو (القائمون) وكتاء (قامت) وهذا على لغة (أكلوني البراغيث) وهي لغة حسنة كما نص (أبو حيان) وليست شاذة كما زعمه بعضهم)
ويكفي دليلا على صحتها قوله تعالى (ثم عموا وصموا كثير منهم) وقوله (وأسروا النجوى الذين ظلموا) وما جاء في حديث وائل بن حجر (ووقعتا ركبتاه قبل أن تقعا كفاه) وقوله (يخرجن العواتق ذوات الخدور)