ذلك إدراكا تاما، فإنه كان يرمي إلى تأسيس ملك عضوض. لقد عرف أن الملك يظل ملكا حتى إذا انهزم أما الإمبراطور الذي ينصب نفسه فيحتاج إلى انتصارات متوالية ليظل عرشه قائما.
وهذا صحيح أيضاً في الأعمال والدويلات التي حكمتها عائلات خلال أجيال عديدة. وإنك لتجد المديرين والمراقبين والزراع الذين يثورون عادة على السلطان يخضعون لسلطة رئيس العائلة. ولا يعود هذا الخضوع إلى العادة وحدها، ولكنه يعود كذلك إلى شعور طبيعي وتفكير معقول بعض الشيء. فالأب يستطيع أن يورث ابنه تقاليد الزعامة وأعرافها كما يورثه التفاني في خدمة العائلة. والقائد الوراثي كالملك الوراثي يحس برابطة تربطه بعائلته أو ببلاده_رابطة من الشرف تتطلب التضحيات. ولقد رأينا من ذلك أمثلة رائعة في فرنسا خلال الأزمة الاقتصادية التي مررنا بها منذ عهد قريب.
أما خطر القوة الوراثية فهو أن يكون الابن الأكبر للعائلة الحاكمة غير ذي شخصية، أو حتى غير ذي عقل كامل. فهل من اللازم في مثل هذه الحالة أن توكل الأمور إلى رجل لا يقدر على القيادة؟ كلا! وقد عمدت بعض البلاد التي يقوم فيها مثل هذا النظام من الوراثة، إلى استثناءات لا تمكن من الحكم الزعيم الوراثي الذي لا يليق للقيادة. ففي بريطانيا عدل نظام الإرث الملكي مرات عديدة بطرق برلمانية، وحدد رجال الأعمال الكبار في الولايات المتحدة أثناء حياتهم حدود السلطة التي قد تنتقل إلى أبناء لا يستطيعون أن يخلفوهم. فإذا لطفت السلطة الوراثية بما يتطلبه الحس العام وبسيطرة من البرلمان أو المجالس التمثيلية، فإنها تكون ذات صفات طيبة كثيرة.
وأهم ما يجب أن يمتاز به زعيم هو أن يعترف له الناس بصفة الزعامة. وجميع الزعماء الذين لا يقر لهم المجموع بزعامتهم كاملة، تنقصهم القوى الكافية لهذه الصفة الكبرى. والزعيم الذي ينتخب انتخابا يجب أن تكون له سلطة تامة على الذين انتخبوه؛ ولكن يقع أحيانا أن تكون الصفات التي اختير من أجلها الزعيم كالفصاحة وحسن الخلق غير الصفات المطلوبة في موقف معين، فيعود ضعيفا غير قادر على معالجة الأمور. وكذلك الحال في أمة تتقاسمها الأحزاب. فالزعيم المنتخب في هذه الحالة إنما يمثل ما يقارب نصف المنتخبين، فإذا أحس الباقون تجاهه بشيء من الكراهية، تعرضت الدولة للخطر.