للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد رأينا مرات عديدة بلادا عظيمة تقع فريسة الشك والهزيمة لأن زعيما لها اختارته الأغلبية فلم يملك ثقة جميع الشعب.

واختيار الزعيم أو القائد عملية أشد خطرا عندما يدور الأمر لا على سلطة تقوم في بلاد بكاملها، ولكن على سلطة تقوم في جماعة أصغر وخاصة عندما يمارس الزعيم سلطته مباشرة، أو يكون معرضا لتجديد الانتخاب مرة بعد أخرى في فترات معينة. والسؤال الذي يرد هنا هو كيف يستطيع الزعيم أن يكسب طاعة الناس الذين سيتملق أصواتهم بعد قليل؟ إن انتخاب رئيس لمشروع، أو قائد كبير لجيش، بطريق الغالبية في الأصوات إنما نهى الدمار للمشروع أو الهزيمة للجيش. ولقد أدركت هذا بسرعة إدارات المشاريع والأعمال فرغبت عن الطريقة أكثر البلاد إحساسا بالديمقراطية ونبذتها. وهي تستعيض عن ذلك بأن يختار وكلاء القادة أو أعضاء مجلس الأعيان أو رؤساء الدوائر اختيارا انتخابيا وهؤلاء الموظفون التنفيذيون، أو هكذا يجب أن يكونوا، وليسوا قادة بحال من الأحوال. ومن الخطر جدا أن تجزأ الأعمال على صورة تحول دون الإجراءات اللازمة. فدستور الولايات المتحدة الأمريكية منشأ على شكل يجعل البلاد دون سياسة خارجية على الإطلاق فترة ما يكون الرئيس والكونغرس على خلاف. ويقع ذلك مدة سنتين كاملتين. وهذه حالة مضرة ضررا شديدا بأميركا وبأمم أخرى مثلها. أما للطريقة الإنكليزية فإنها تؤدي غرضها تأدية أفضل، لأنها أكثر مرونة وطواعية.

ومن أساليب اختيار القائد أسلوب الامتحانات، وفي هذا الأسلوب يجوز المرشح للرئاسة شهادة عملية. وقد استعملت هذه الطريقة سابقا في الصين. وهي تستعمل إلى حد محدود في فرنسا هذه الأيام. فإذا أراد فرنسي أن يتبوأ مقاما في الجيش أو في السلك الدبلوماسي أو في دائرة حكومية وجب عليه أن يجوز امتحانات معينة. ويبدو لأول وهلة أن هذا النظام عادل، لأن المتنافسين فيه يخضعون لظروف واحدة؛ ولكن له مساوئ خطيرة فالرجل الذي تتفتح قواه الذهنية ببطء والذي يمكن أن يثبت قدرته على القيادة في الأربعين من عمره يمنعه السن من الاستفادة من قواه. ثم إن الصفات والخصائص التي تكون القائد الحسن لا تظهر أغلب الأحيان ولا تعرف عن طريق الامتحان. ولا يتردد (بول فاليري) في القول بأن أعظم شرور اليوم هي الامتحانات والشهادات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>