الخيرة من آلام وتبريح، لهان الأمر علي بعض الشيء، ونظر إلى الموت - فيما بعد - كأمر تنتهي إليه الكائنات، ولكن متى يكون ذلك!
وليست ملابسات الموت وحدها السبب في خوف الإنسان وفزعه من القدر المحتوم، بل يضاف إليها أشياء وأشياء، فكل إنسان مهما تجنب الرذيلة، وآثر الفضيلة، لا بد متعرض في بعض مراحل حياته إلى ما يغضب ربه من الآثام، والضمير رقيب يقض غير نائم فيظل يذكر المرء بما اقترفه، وإن كرت الأيام عليه، فإذا تصور الإنسان وقد حان حينه، ودقت ساعته الآزفة مع أنه قد أسلف ما أسلف من ذنوب سيحاسب عليها حسابا منصفا تأكد من العقاب العادل، وعجز عن حمل التبعة الثقيلة، ومن ثم فهو يبغض الباب القاتم الذي يدفعه إلى الجزاء والحساب، وينظر إلى موعده المحتوم نظرة الخائف المتفزع. ونحن وأن كنا نطمع في عفو الله، ونأمل في الصفح والغفران، لا بد من صور معقولة لهذا اليوم تصد النفس الأمارة بالسوء، على أن نتخيل بجانبها صور بهيجة ذات مفاتن وأضواء لمن يعتصم بالأدب والأخلاق، وهنا يكون الموت غير مخوف إن آلم بذوي المروءة والدين، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقائه كما قيل.
ولن ننسى في هذا المقام ما يبعثه القبر المظلم الضيق في النفوس من رهب وإيحاش، فكثير من الناس تتفتت أكبادهم حسرة حين يتصورون أجسامهم في حفرة دامسة خانقة لا يقر بها النور والهواء، وكأني بهؤلاء الجازعين وقد وهموا أن إحساسهم سيصحبهم في هذه الغياهب الحالكة، فيشعرون بما يشعر به الحي حين يوضع في صندوق مقفل خانق، ولو كان الأمر كذلك حقيقة، لجل الصبر، وعظم الخطب، ولكن أما يتناقص الجسم يوما بعد يوم؟ أما ترتع فيه الديدان والهوام أسوأ مرتع في محبسه الرهيب؟ أما يمر علي يوم ينعدم فيه ويتلاشى وتتحول بقاياه إلى ذرات؟ أين إذن يكون الألم والإحساس؟ وإذا سلمنا منطقيا أن الجسم لا يألم بعد وفاته وانعدامه، فلم لا يندرج عليه هذا الحكم حين ترتع به الديدان والهوام وهو سجين حبيس! ولم نخاف الظلمة والضيق والهامد الراقد لا يشعر بها بحال؛ ذلك نوع من الخيال!؟
لقد سطر كثير من الكتاب صحائف مفزعة عن القبر وما يتراكم فيه من ظلمات وأهوال، فتركوا أسوأ الأثر في نفوس ونغصوا على الناس حياتهم ومعاشهم شر تنغيص. وهل كان