على أن أستسلم كالعادة مرة أخرى وأرضى بألا يكون لي كلمة في منزلي.
ولقد بذلت جهدي في أن أحصر الضرر، فوعدت صاحبتي أن ننتقل من الغرفة سريعاً. ولسوء حظي هبت عاصفة على البلدة في اليوم التالي لتلك الحادثة فامتنعت علي الوسيلة الوحيدة لكسب قوتي، إذ أن الرياح التي كانت تبعث السرور إلى نفوس المستحمين كانت تهدد آلتي في كل لحظة بالانقلاب، ولكي أقاوم ساعتين على ساحل البحر من أجل التقاط اثنتي عشرة صورة، كان لا بد لي أن أحمل من الصبر ما لا يمكن أن أتطلبه من فتاتي. فقد كانت فتاة رشيقة برغم أنها خياطة بسيطة. وكانت تحب أن تكون نظيفة وقوراً حسنة الهندام، فلم تكن تستطيع العمل معي، لأن الرياح كانت تعبث بشعرها وتضرب رداءها (الفوال) بقطع الملح فتغطيه ببقع صفراء، ذلك أن عملها كمساعدة لي تغسل الصور وتجففها وتسلمها إلى أصحابها، كان هذا العمل يدفعها إلى البحث على ساحل البحر وفي الفنادق. لذا لم تقم لي بمساعدة ما، وتركتني وحيداً أقوم بكل مراحل الحرفة التي نعيش منها.
قالت لي:
- تصور مركزي عندما أكون أقذر النساء البوهيميات. ليس لي هنا ما أفعله. سأذهب لأبحث عن عمل. . . في الخياطة أو غيرها. فإذا وجدت فاعلم يقيناً أنني لن أعود مطلقاً!
تركتني عند الظهر وكان في جيبها الصغير خمسة فرنكات، ولم تكن قد تناولت بعد طعام الغداء، فجلست على شاطئ البحر محطم القوى وعدتي على ذراعي، أنظر إليها وهي تغيب عن عيني، وقد ملكها الألم وأوشكت أن تنفجر بالبكاء. ولقد كان مظهرها يحمل حقاً كل معاني الطهر والصفاء مما أفعم قلبي بالحزن والحسرة من أجل هذه المرأة الصغيرة الجميلة.
ولم أتناول أنا أيضاً طعام الغداء، فقد تراكمت علي الحسرات وكانت كل ثروتي عشرين فرنكاً، أي عبارة عن أجر ليلتين عند حفيد القرصان.
وبعد أن أعدت أدوات عملي خرجت أجوب المدينة. وكانت الريح تدوي دون انقطاع، فكنت أسائل نفسي: ما الذي يؤول إليه حالي إذا لم أوفق إلى جمع الثلاثين فرنكاً التي هي أقل ما يمكن أن أحتاج إليه يومياً. وكنت أعرف تماماً أن صديقتي لا يمكن أن تنفذ كل