والسياسيون وضعه عن الحروب، بل كالذي يضعه الألبسة في الجحيم، وينقضه البشر على الأرض، أي أن يكون خاليا من الأوهام والمزاعم، لا غرض منه سوى إظهار البطولة الحقيقية. وكان من نتائج هذا الاقتراح صدور رواية لموبسان بعنوان (كرة الشحم) وقد جاءت كما أرادها صاحب الاقتراح.
لقد أظهر موبسان في هذه الرواية احتقاره وبغضه لبلادة الرجل. ولكن هذا البغض يتحول إلى شفقة في الروايات الأخرى، ولاسيما في روايته (الحلية) التي هي في نظر أئمة النقد من روائع الفن القصصي الفرنسي
كان موبسان يكثر من تنشق الأثير لكي ينسى آلامه المبرحة بما تحدثه أبخرته في رأسه من الأحلام. وكان ينفق ما يقتصده لقضاء أيام عطلة الصيف خارج باريس على شراء المسكنات. وقد كان لجوئه إلى هذه الواسطة للتخلص من أوجاعه الدائمة صورة جلية للجمال الوثني. ومن قوله: ومن قوله: (أحب الفضاء كالعصفور، والغاب كالذئب، والصخور كالغزال، والمروج كالجواد، وأحب المياه الصافية التي تطيب لنا فيها السباحة. كالسمك وأحب العالم كما تحبه هذه كلها، لا كما تحبونه أنتم أيها البشر أحبه دون إعجاب، وأنشده وأتغنى به دون شعوذة. إني أحبه حبا عميقا وحيوانيا، حبا دنيويا ومقدسا في وقت معا) وكان يظهر قلة شفقته على البشر مع أن رواياته تكذبه.
ومن قوله:(أريد أن أفتح رأس أحد الشعراء لكي أرى ما فيه).
ولكنه كان يبكي لآلام الحيوانات الخرساء ويشقي. فصياح الذئب الجريح يدمى قلبه، ومشهد جثة البغل مطروحة على بضع خطوات من المرج، الذي كثيرا ما تمنى أن يرعى فيه ويسرح، يذيب حشاشته، ونباح الكلب الجائع يسيل عبراته. وله في شقاء الكلب قصة جد مؤثرة.
ومن قوله عن مملكة الإنسان، أو الحيوان الأصغر، أن القدر يتسلط على الإنسانية
بوحشية الإنسانية في تسلطها على البغال والكلاب.
وقد نفخ في نفوس قرويي روح نورمنديا روح الحياة، وكان يتصل بهذه النفوس البسيطة لا عن طريق الروح، بل بالشعور والفطرة والشم، وقد كانت هذه الحاسة الأخيرة قوية فيه كما هي في بعض الحيوانات البرية. فكان يقف بواسطتها على تأثراتهم وغرائزهم وأفكارهم