للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونوع معيشتهم. حتى إن الحياة التي تختلج في صفحات كتبه كانت عابقة بمختلف الروائح ولا سيما المنتنة منها. لأن موبسان لم يكن ينظر إلى الحياة إلا من ناحيتها المنتنة فيقبض على هذه الناحية بكلتا يديه، في دعكها وعصرها إلى أن يمسخها أو يدميها.

وكان يستخدم في إعداد قصصه، حتى الشنيع منها، أسلوبا خاصا، لأنه لم يكن يرى فيما يريد أن يكتبه سواء أكان عن الأمراء أم القرويين، شيئا من التفكه أو الزهور، ومع ذلك فقد أرتفع في وصفه الألم والبلادة والسخافة إلى أعلى ذرى الفن. وكانت قصصه شبيهة بامتثال لافونتين وراويات بوكاسيو الرائعة ومن خصائص فنه القصصي تجريد أشخاص رواياته من النفس ومن أية تعزية دينية. ومع ذلك فتشاؤمه وضآلة علمه وأسلوبه المدرسي البسيط، كل ذلك يدل بأجلى بيان على أنه خير ممثل لجيله الجديد.

لم يتقيد موبسان في حياته بأي مذهب من المذاهب الفلسفية المعروفة. ومن قوله في هذا الصدد: (في العالم من الحقائق بقدر ما فيه من البشر فلكل منا فكرة خيالية للعالم. من هذا الفكر ما هو عاطفي، ومنها ما هو فرح وكئيب ودنس، أي حسب طبيعة كل واحد. ففكرة الجمال هي اصطلاح إنساني بسيط، وفكرة القبح رأى بسيط قابل للتغيير، وكذلك فكرة الحقارة التي يتعشقها الكثيرون، وأعاظم الفنانين هم الذين يستطيعون إرغام الإنسانية على اعتناق أفكارهم الخاصة)

كان موبسان كثير التخوف من الموت ومن قوله فيه: (أنا لا اعتقد باضمحلال كل كائن يموت)

وكان يخاف من الجنون وقد قال مرة لمدعويه: (يهمني كثيرا أمر الجنون، وسأكتب قصة عن رجل جن تدريجيا) ولشدة خوفه من هذا المرض كان يقضى لياليه عند عشيقاته كي لا ينام في غرفته وحيدا. وليس ما نطالعه في رواياته وقصصه من مواقف شاذة وأشباح مرعبة، سوى صورة جلية لما كان يقاسيه في سويعاته السرية من خوف وإرتعاب.

وعكف على درس كتب الطب وكان كلما اجتمع بطبيب يرهقه بالأسئلة عن أعراض بعض الأمراض حتى تبادر إلى أذهان الكثيرين من الأطباء أن موبسان يجمع معلوماته عن الطب لكي يضع رواية يحمل فيها عليهم وعلى علومهم.

وتسلط عليه أخيرا مرض رؤية نفسه فكان يرى ذاته أحيانا كما لو ينظر في المرأة ودخل

<<  <  ج:
ص:  >  >>